اسم الکتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي المؤلف : يوسف خليف الجزء : 1 صفحة : 56
رأين فتى لا صيد وحش يهمه ... فلو صافحت إنسا لصافحنه معا1
ويقول صاحب اللامية مخاطبا أهله:
ولي دونكم أهلون: سيد عملس ... وأرقط زهلول، وعرفاء جيأل
هم الأهل، لا مستودع السر ذائع ... لديهم، ولا الجاني بما جر يخُذل2
ومن الطبيعي أن هذا التشرد جعل الصعاليك على صلة قريبة بحيوان الصحراء، استطاعوا عن طريقها أن يعرفوا طباعه وعاداته، وأن يتحدثوا عنه وعنها حديث الخبير المطلع. وفي شعرهم صور كثيرة لحيوان الصحراء ووحشها وطيرها وحشراتها وما يخيل للساري فيها من أشباح، كذلك الوصف الدقيق للضباع وحياتها وطباعها في شعر الأعلم الهذلي[3]، وكتلك الصورة الرائعة للذئاب الجائعة في لامية العرب[4] وكتلك الصور المتعددة للغيلان وما يجري للإنسان معها في شعر تأبط شرا[5].
وكان من نتيجة هذا التشرد البعيد في أعماق الصحراء أن أصبح الصعاليك على علم واسع بأسرارها، ومعرفة دقيقة بشعابها ودروبها ومسالكها ومياهها، ومقدرة فائقة على الاهتداء في مجاهلها، واختراق متاهاتها المضلة دون دليل. ورواة الأدب العربي يصفون السليك "البعيد الغارة" بأنه "كان أدل من قطاة"[6]، بل إنهم يصفون الصعاليك بأنهم "أهدى من القطا"[7].
1 الأغاني 18/ 217 - وقوله "ويصبح لا يحمي لها الدهر مرتعا" معناه أنه لا يمنعها من الرعي فهي لا تخاف منه.
2 أعجب العجب/ 17، 18 - السيد: الذئب. والعملس: القوي على السير السريع. والأرقط المراد به النمر. والزهلول: الأملس. والعرفاء: الضبع الطويلة العرف. وجيأل: اسم للضبع، معرفة بدون الألف واللام، وهي في الأصل صفة ثم غلبت فخرجت مخرج الأسماء، وهي لهذا ممنوعة من الصرف للعلمية والتأنيث. [3] انظر ديوان الهذليين 2/ 79، 80، 86، 87. [4] انظر أعجب العجب/ 37-50. [5] انظر الأغاني 18/ 209، 210 - وابن قتيبة: الشعر والشعراء/ 176، 177. [6] الأغاني 18/ 134. [7] المرزباني: معجم الشعراء/ 168.
اسم الکتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي المؤلف : يوسف خليف الجزء : 1 صفحة : 56