اسم الکتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي المؤلف : يوسف خليف الجزء : 1 صفحة : 281
ثم يتيح له القدر صائدا، تارة يكون إنسانا، وتارة يكون جارحا من الطير، يتربص به حتى إذا أمكنته الفرصة انقض عليه فأورده موارد الهلاك. ولكن من الحق أن نسجل أن هذه الظاهرة ليست مقصورة على صعاليك هذيل، ولكنها ظاهرة عامة عند الشعراء الهذليين، وعند بعض الشعراء الجاهليين أيضا.
وهنا نقف عند نص للأصمعي يرويه ابن دريد عن أبي حاتم عنه، يقول فيه: "ويقال إن كثيرا من شعر امرئ القيس لصعاليك كانوا معه"[1] لعلنا نصل عن طريقه إلى فكرة قد تكون جديدة في تاريخ الشعر العربي، وقد تخالف ما قد تعارفنا عليه من أن امرأ القيس هو أول من اصطنع القصة في شعره، وأن تاريخ القصة في الشعر العربي يبدأ بامرئ القيس.
ولن نقول مع الأصمعي إن كثيرا من شعر امرئ القيس لصعاليك كانوا معه، فتلك دعوى جريئة يعوزها الدليل، ولا تستطيع الوقوف أمام الدراسة الفنية لمجموعة شعره ذات الطابع الفني الواحد، والشخصية الفنية الوحدة، ولكننا نستطيع أن نقول إن هذا النص يشير إلى مسألة فنية مهمة أحسها القدماء وإن ضلوا الطريق إليها، وهي أثر الصعاليك في شعر امرئ القيس. فمن المعروف أن امرأ القيس في بعض فترات شبابه كان يتبع صعاليك العرب[2]، ومن الطبيعي أن النفس الفنية في هذه السن المبكرة تكون قابلة للتأثر لأن نضجها الفني لم يكن قد اكتمل بعد وإذن فليس من البعيد أن يكون امرؤ القيس قد تأثر من الناحية الفنية بفن هؤلاء الصعاليك وهو يستمع إليهم يقصون أقاصيص مغامراتهم وحياتهم في قصائدهم ومقطوعاتهم، وليس من البعيد أيضا أن يكون امرؤ القيس قد فتنه ذلك الأسلوب القصصي في شعر هؤلاء الصعاليك، فحاول تقليده في شعره، ثم اتخذه مذهبا فنيا له. وإذن فليس امرؤ القيس أو من اصطنع القصة في الشعر العربي بل هم الشعراء الصعاليك، وليس شعر امرئ القيس نقطة البدء في تاريخ القصة الشعرية بل تسبق هذه مرحلة أولى هي مرحلة الشعراء الصعاليك "رواد القصة الشعرية في الأدب العربي". ومن يدري؟ فلعل تلك الألوان القصصية في شعر امرئ القيس التي أشكلت على صاحب هذا الرأي الذي يرويه الأصمعي فخيلت إليه أن جزءا من شعر امرئ القيس من صنع صعاليك كانوا معه. [1] فحولة الشعراء "مخطوطة" ورقة رقم 4. [2] الأغاني 9/ 81.
اسم الکتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي المؤلف : يوسف خليف الجزء : 1 صفحة : 281