اسم الکتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي المؤلف : يوسف خليف الجزء : 1 صفحة : 238
وما دام الأمر كذلك فليرسموا لأولئك الذين آمنوا بدعوتهم خطة العمل، وليحببوها إلى قلوبهم، وليدافعوا عنها وعنهم كما دفعوهم إليها. وقد ترددت هذه المعاني كثيرا في شعرهم، ووقف عروة بن الورد بالذات -كما يقف صاحب المذهب- يدعو إلى مذهبه ويحببه إلى قلوب الناس، ويدافع عنه. وليس في هذا غرابة، فلم يكن عروة يعد نفسه صعلوكا من الصعاليك، وإنما كان يعد نفسه زعيما للصعاليك، أو داعية لفلسفة التصعلك، إن صحت العبارة. وبهذه النظرية نظر إليه رفاقه، وبحق سموه أبا الصعاليك[1].
والخطة العملية في فلسفتهم الغزو والإغارة، وكما كثر في شعرهم الحديث عن الجانب التنفيذي من هذه الخطة، كثر أيضا حديثهم عن الجانب التشريعي منها، أو بعبارة أخرى كثرت دعوتهم إليها. وأكثر من ظهر عنده هذا الجانب التشريعي عروة بحكم وضعه داعية لفلسفة الصعلكة. وأساس دعوتهم أن هذه الخطة هي السبيل الوحيدة للغنى لمن هو في مثل حالتهم:
متى تطلب المال الممنع بالقنا ... تعش ماجدا أو تخترمك المخارم2
ويتحدث الشعراء الصعاليك أيضا عن الأهداف التي يقصدونها بغزواتهم، فيحددون تلك الطوائف من مجتمعهم التي يرون أن يوجهوا إليها رءوس حرابهم، ومن الطبيعي أن تكون طبقة المالة أكثر طبقات مجتمعهم تعرضا لغزواتهم؛ لأنها الهدف الدسم الذي يسيل له لعابهم. ويتحدث تأبط شرا عن ثلاث طوائف من هؤلاء المالة كان يوجه إليهم غزواته: أصحاب المواشي، وأصحاب المزارع الخصبة، وأصحاب النوق الحوامل:
فيوما على أهل المواشي وتارة ... لأهل ركيب ذي ثميل وسنبل3
ولكن أرباب المخاض يشفهم ... إذا اقتفروه واحدا أو مشيعا4 [1] الأغاني 3/ 81.
2 عمرو بن براقة في الأمالي للقالي 2/ 122.
3 لسان العرب: مادة "ركب" ومادة "ثمل" - الركيب: المزرعة. والثميل: الحب.
4 حماسة أبي تمام 2/ 28، والأغاني 18/ 217 - يشفهم: يهزلهم، ويكد عيشهم. واقتفروه: تتبعوا أثره.
اسم الکتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي المؤلف : يوسف خليف الجزء : 1 صفحة : 238