اسم الکتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي المؤلف : يوسف خليف الجزء : 1 صفحة : 188
التي يصح أن نطلق عليها "شعر المراقب".
والمرقبة التي يتربص فوقها الشاعر الصعلوك دائما منيعة أبية على سواه، وأكثر ما يتحدثون عن تربصهم فوقها والليل مقبل يغشى الكون بدياجيه الكثيفة، ليكون هذا أمعن في التخفي، وأقرب إلى مواتاة الفرصة، وأدل على جرأتهم وقوة قلوبهم، و"الليل أخفى للويل" كما يقول العرب في أمثالهم[1]، و"الصعاليك نومهم قليل" كما يقول الشاعر الصعلوك عمرو بن براقة[2].
ويرسم الشنفرى في قصيدة من شعره لوحة رائعة لمرقبة منيعة عالية يعجز دونها الصياد الماهر الخفيف الذي يخرج بكلابه المضراة للصيد، ويصف كيف صعد إليها وقد أقبل الليل بظلامه الحالك الشديد الذي يلف الكون، وكيف قضى الليل فوقها متربصا، محدبا على ذراعيه مبالغة في تخفيه كما يتطوى الأفعوان المتكسر، ولا شيء معه سوى نعلين باليتين، وثياب أخلاق، ثم أصحابه الذين لا يفارقونه، سيفه وقوسه وسهامه:
ومرقبة عيطاء يقصر دونها ... أخو الضروة الرجل الخفيف المشفف
نميت إلى أعلى ذراها وقد دنا ... من الليل ملتف الحديقة أسدف
فبت على حد الذراعين محدبا ... كما يتطوى الأرقش المتقصف
قليل جهازي غير نعلين أسحقت ... صدورهما مخصورة لا تخصف
وملحفة درس وجرد ملاءة ... إذا أنجمت من جانب لا تكفف3 [1] الميداني: مجمع الأمثال 2/ 120. [2] الأغاني 21/ 175.
3 الأغاني 21/ 140، 141. وديوانه في الطرائف الأدبية/ 37. وديوانه المصور لوحة رقم 50. ورواية الأبيات في المصدرين الأخيرين مضطربة يكثر فيها التحريف، ولذا آثرنا رواية الأغاني - العيطاء: العالية المرتفعة، أو الأبية الممتنعة. أخو الضروة: الصياد معه كلاب ضراها للصيد. الرجل بسكون الجيم وفتح الراء كالرجل بضمهما. المشفف: النحيل. الأسدف: المظلم. محدبا: من أحدب إذا انحنى. أسحقت: بليت. الملحفة: ما يلبس فوق الثياب من دثار البرد ونحوه. الدرس بكسر الدال: الثوب الخلق، ومثله الجرد بفتح الجيم. أنجمت: ظهرت وطلعت. كف الثوب: خاط حاشيته.
اسم الکتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي المؤلف : يوسف خليف الجزء : 1 صفحة : 188