وكان للنعمان نديم يقال له المنخّل اليشكرىّ [1] ، يتّهم بالمتجرّدة، ويظنّ بولد النعمان منها أنّهم منه، وكان المنخّل جميلا، وكان النعمان قصيرا دميما أبرش، فلما سمع المنخّل هذا الشعر قال للنعمان: ما يستطيع أن يقول مثل هذا الشعر إلّا من قد جرّب! فوقر ذلك فى نفسه، وبلغ النابغة ذلك، فخافه فهرب إلى غسّان، فصار فيهم. وانقطع إلى عمرو بن الحارث الأصغر بن الحارث الأعرج بن الحارث الأكبر بن أبى شمر الغسّانى، وإلى أخيه النعمان بن الحارث، فأقام النابغة فيهم فامتدحهم، فغمّ ذلك النعمان، وبلغه أن الذى قذف به عنده باطل، فبعث إليه: إنّك صرت إلى قوم قتلوا جدى فأقمت فيهم تمدحهم، ولو كنت صرت إلى قومك لقد كان لك فيهم ممتنع وحصن، إن كنّا أردنا بك ما ظننت، وسأله أن يعود إليه. فقال شعره الذى يعتذر فيه، وقدم عليه زبّان بن سيّار ومنظور بن سيّار الفزاريّين، وكان بينهما وبين النعمان دخلل [2] ، فضرب لهما قبّة، ولا يشعر أن النابغة معهما، ودسّ النابغة أبياتا من قصيدته:
يا دار ميّة بالعلياء فالسّند
وهى [3] :
نبّئت أنّ أبا قابوس أوعدنى ... ولا قرار على زأر من الأسد [4]
مهّلا فداء لّك الأقوام كلّهم ... وما أثمّر من مال ومن ولد [5] [1] سيأتى خبره (238- 239 ل) وفيه إشارة إلى هذه القصة. وله الأصمعية 14. [2] أصل «الدخلل» بضم الدال وسكون الخاء مع ضم اللام وفتحها: المداخل المباطن وصاحب السر، وأراد به هنا المودة الصافية. [3] الديوان 24، 25، 26.
[4] «قابوس» لا ينصرف للعجمة والتعريف، وضبط فى ل مصروفا، وهو لحن ويختل به الوزن. والبيت فى اللسان 8: 49.
[5] قال الوزير أبو بكر بن عاصم: «فداء: يروى بالرفع والكسر والنصب» .