الحد ولكن الأظهر أنه إن أقرَّ بذلك استوجب بإقراره به الملام والتأديب وإن كان لا يحد به".
واستأنس شيخنا لما ذهب إليه بما روى ابن كثير في تفسير هذه الآية الكريمة حيث قال: "وذكر محمد بن إسحاق ومحمد بن سعد في الطبقات والزبير بن بكار في كتاب الفكاهة أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل النعمان بن عدي بن نضلة على ميسان من أرض البصرة وكان يقول الشعر فقال:
ألا هل أتي الحسناء أن حليلها ... بميسان يسقى في زجاج وحنتم
إذا شئت غنتني دهاقين قرية ... ورقاصة تحذو على كل منسم
فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني ... ولا تسقني بالأصغر المتثلم
لعل أمير المؤمنين يسوؤه ... تنادمنا بالجوسق المتهدم
قال: فلما بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إي والله إنه ليسوءني ذلك ومن لقيه فليخبره أني قد عزلته. وكتب إليه عمر: بسم الله الرحمن الرحيم {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} . أما بعد فلقد بلغني قولك:
لعل أمير المؤمنين يسوؤه ... تنادمنا بالجوسق المتهدم
وأيم الله إنه ليسوؤني وقد عزلتك. فلما قدم على عمر بكته بهذا الشعر. فقال: والله يا أمير المؤمنين ما شربتها قط وما ذلك الشعر إلا شيء طفح على لساني. فقال عمر: أظن ذلك ولكن والله لا تعمل لي عملا أبدا وقد قلت ما قلت".
قال شيخنا: "فلم يذكر أنه حده على شراب وقد ضمنه شعره لأنهم يقولون ما لا يفعلون ولكنه ذمه عمر ولامه على ذلك وعزله به". قلت: وقد احتج الفرزدق بهذه الآية الكريمة عند الخليفة سليمان بن عبد الملك حينما سمع قوله:
فبتن بجانبيّ مصرعات ... وبت أفض أغلاق الختام
فقال سليمان: قد وجب عليك الحد. فقال: يا أمير المؤمنين قد درأ الله عني الحد بقوله: {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} [1]. قال كاتبه غفر الله له: الظاهر أنه لا يقام عليه الحد لما سبق ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ادرؤوا الحدود بالشبهات"[2]. فيكون تعلق الشاعر المقر [1] الكشاف _ص133 _ ج3. [2] أخرجه البيهقي من طريق علي موقوفا والترمذي والحاكم عن عائشة بلفظ " ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم " سبل السلام ص4/53.