responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الساق على الساق في ما هو الفارياق المؤلف : الشدياق    الجزء : 1  صفحة : 185
انتهى كلام الفارياق وقد أحسن فيه. إلا أنه لم يحكِ عن نفسه أنه كان عند الحزن جزعاً جَرِعاً كثير والهواجس قليل الحيلة والتدبير غير ثابت الرأي ولا مُضب على ما في نفسه فإنه لم تكد أرض الجزيرة تغيب عنه حتى طفق يشكو من النساء ومن بطرهن عند غياب بعولتهن عنهن. فسمعه الخرجي وزوجته فقالا له ما بالك تشكو لا خوف عليك من تعبير الوحش مدة السفر كلها. وإذا بلغت أرضكم إن شاء الله فلا أحلم إلا الأحلام البينة. قال ما شكواي من الوحش ولا الجن بل من الأنس. فأني سمعت اليوم كذا وأوجست كذا ولعلي أرجع وأجد كذا أو لا أجد كذا أو لا أرجع ولا أجد البتة. فلما سمعت بذلك ثارت زبانية سقر من أنفها فقالت له. هل بلغ من طيشك أن تسيء الظنّ في النساء المتزوجات. قال قد ظنّ فيهن من ذلك من قبلي الحليم الرزين. قالت ليست هذه الخلة عندنا نحن معاشر الإفرنج هذا زوجي ما يخامره ريب فيّ. قال أن السيد مشغول بالأحلام بحيث لم يبق في رأسه موضع لغيرها. أليس أن عالمكم بيرون يقول أخْون ما تكون المرأة ما إذا غاب عنها زوجها. قالت أنه شاعر وأن كلام الشعراء لا يؤخذ به في حكم على النساء إلا إذا كان نسبياً وغزلاً. ثم بينما هم كذلك إذا بالريح هاجت الأمواج فاضطربت السفينة ومادت أيّ ميد. فلزم كل مكانه مدة أربعة أيام حتى ذهل كل من ركابها عما وراءه وقدامه.
وبعد سفر أثني عشر يوماً بلغوا مدينة بيروت وهم جياع تعبون شاحبون مبتئسون. والهالج يترقب أو فرصة من الدهر لهبوط الأحلام. فلما دخلوا البلد كان أول ما طرق مسامعهم من كلام أهلها الركيك قول المخبّر أن أهل الجبل قد ربقة الطاعة لوالي مصر وتجندوا عليه. فكان أهل المدينة في شغب واضطراب. وكان دوار البحر والفراق لم يزل يميد براس الفارياق. فصعد إلى جهة الجبل ليرى أهله فلقي بظاهر المدينة عسكر الأهلين مخيما فهول عليه أحدهم بإطلاق بندقيته فطار نصف قلبه من صدره ولم يزد قلب المهول شيئا. لكن بعض الناس يرتاح للأذى إن لم يحصل له فائدة. ثم لطف الله به وأنقذه من القوم فبلغ منزل أهله. فلما علم قدومه عند أهل القرية أقبلوا يسلمون عليه مثنى وثلاث ورباع فكان ينظر إليهم ويتعجب منهم لبعد عهده بعاداتهم. فإن النساء كن يأتين ويقعدن على الأرض. فمنهن من كانت تقعد بين يديه القُرْفصاء أو الهَبْنقة أو الأربعاء أو الفرشحة أو البرثطة أو البرقطة أو الفرشطة أو القَعْفَزي. أو ثَبْجا أو احتفازا أو إمتعاسا أو إستيفازا أو إقعاء كقعدة القرد وهي مشمرة قميصها فتشفّ سراويلاتها عن ومّاحها. وهي عادة ألفنها ولا يرين فيها عيباً. وأكثرهن تبدي ثدييها سواء كانت كاعبا أو هضلاء أو طرطبة. ويومئذ افرغ عليه شحن المسائل فمن قائلة مالك يافارياق نحيلا. ومن قائلة وقد صرت ضئيلاً. وأخرى ما لسحنتك قد كلحت. وغيرها ولطلعتك قد قَبُحت. ولا سنانك قد قلحت. وجبهنك لتُحت. وأرنبتك فُطِحت. وأساريرك ازحت. وبشرتك قسحت. وشفتك تقرّحت. وعنقك شقُحت. وعينك لَجحت. وقامتك تقنَّحت. وشعراتك تصوّحت. وعجيزتك رَسحت. وذقنك طُحّت. ولهجتك قَحْقحت. قال فتشاءمت من هذه القوافي وقلت لم يبق بعد تعدد هذا الحت إلا أن يقلن وتلك قد نكحت. ثم قالت واحدة منهن إيه وهذه هَنَة قد زادت فيك. فقالت أخرى أوه وهذا شيء نقص منك. ثم جعلن يقلبنه ويعرضنه كم يقلب الشاري السلعة. وكلهن يقلن بنغمة واحدة يا فارياق يا فارياق أين الطنبور وأوقات السرور. أين أبياتك في العقوص والطنطور. أنسيت يوم كذا وليلة كذا. قال فكنت مسروراً بمؤانستهن وسلامة ضمائرهن عن المنكر كما هو خلق نسا تلك البلاد فإنهن لا يأبين من لمس الرجال والدنو منهم ومماسة الرُكْب دون المركب. إلا أنه كثرت مسائلهن عليّ. وطال قعودهن بين يدي. وإنا محتاج إلى الراحة والانفراد. ومع ذلك فمجلس النساء مؤنس على كل حال ولاسيما لمن مضى عليه في البحر اثنا عشر يوماً من دون رؤيتهن. فلو نتفن بعد هذا العهد الطويل لحيته وشواربه بالمسائل لما لحقه من ذلك أذى.

اسم الکتاب : الساق على الساق في ما هو الفارياق المؤلف : الشدياق    الجزء : 1  صفحة : 185
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست