اسم الکتاب : الرسائل المؤلف : الجاحظ الجزء : 1 صفحة : 71
العجم كما أن هذيلاً أكراد العرب. فحين لم تشغلهم الصناعات والتجارات، والطب والفلاحة والهندسة؛ ولا غرسٌ ولا بيانٌ، ولا شقٌّ أنهار، ولا جباية غلات، ولم يكن هممهم غير الغزو والغارة والصيد وركوب الخيل، ومقارعة الأبطال، وطلب الغنائم وتدويخ البلدان، وكانت هممهم إلى ذلك مصروفةً وكانت لهذه المعاني والأسباب مسخرةً ومقصورةً، عليها، وموصولة بها أحكموا ذلك الأمر بأسره، وأتوا على آخره، وصار ذلك هو صناعتهم وتجارتهم، ولذتهم وفخرهم، وحديثهم وسمرهم.
فلما كانوا كذلك صاروا في الحرب كاليونانيين في الحكمة، وأهل الصين في الصناعات، والأعراب فيما عددنا ونزلنا، وكآل ساسان في الملك والرياسة.
ومما يستدل به على أنهم قد استقصوا هذا الباب واستغرقوا، وبلغوا أقصى غايته وتعرفوه، أن السيف إلى أن يتقلده متقلد، أو يضرب به ضارب، قد مرَّ على أيدٍ كثيرة، وعلى طبقات من الصناع، كل واحدٍ منهم لا يعمل عمل صاحبه، ولا يحسنه ولا يدعيه ولا يتكلفه، لأن الذي يذيب حديد السيف ويميعه، ويصفيه ويهذبه، غير الذي يمده ويمطله؛ والذي يمده ويمطله
اسم الکتاب : الرسائل المؤلف : الجاحظ الجزء : 1 صفحة : 71