اسم الکتاب : الرسائل المؤلف : الجاحظ الجزء : 1 صفحة : 66
وقد قالت العرب في مثل ذلك: قال عبد الله بن وهبٍ الراسبيَّ: " حب الهوينا يكسب النصب ". والعرب تقول: " من غلا دماغه في الصيف غلت قدره في الشتاء ". وقال أكثم بن صيفيَّ: " ما أحب أني مكفيٌ كل أمر الدنيا ". قيل: ولم؟ قال: " أخاف العجز ".
فهذه كانت علل الترك في حب الرجوع والحنين إلى الوطن.
ومن أعظم ما كان يدعوهم إلى الشرود ويبعثهم على الرجوع، ويكره عندهم المقام، ما كانوا فيه من جهل قوادهم بأقدارهم، وقلة معرفتهم بأخطارهم، وإغفالهم موضع الرد عليهم والانتفاع بهم، حتى جعلوهم أسوة أجنادهم، ولم يقنعوا أن يكونوا في الحاشية والحشوة، وفي غمار العامة ومن عرض العساكر، وأنفوا من ذلك لأنفسهم، وذكروا ما يجب لهم، ورأوا أن الضيم لا يليق بهم؛ وأن الخمول لا يجوز عليهم، وأنهم في المقام على من لا يعرف حقهم ألوم ممن منعهم حقهم، فلما صادفوا ملكاً حكيماً، وبأقدار الناس عليماً، لايميل إلى سوءعادةٍ ولايجنح إلى هوى، ولايتعصب لبلد على بلد؛ يدور مع التدبير حيثما دار، ويقيم مع الحق حيثما أقام، أقاموا إقامة من قد فهم الحظ، ودان بالحق ونبذ العادة، وآثر
اسم الکتاب : الرسائل المؤلف : الجاحظ الجزء : 1 صفحة : 66