responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي المؤلف : ابن طرار، أبو الفرج    الجزء : 1  صفحة : 371
فوقفت إِلَى مَدِينَة خراب فَأمرت الغلمان فعدلوا إِلَيْهَا وكشحُوا مِنْهَا مَا كَانَ قذرًا ثُمّ، بسطنا بعض تِلْكَ الْفُرُش، ودعوتُ غُلَاما لي كُنْت أَثِق بعقله، فَقلت: انْطلق إِلَى الْملك فأقْرِئِه مني السَّلام، وخُذ لي مِنْهُ الأمانَ وابْتَعْ لي مِيَرةً، قَالَ: فَأَبْطَأَ عليَّ حَتَّى سُؤْتُ بِهِ ظنًّا، ثُمّ أقبل وَمَعَهُ رَجُل آخر، فَلَمَّا أَن دخل كَفَرَ لي ثُمّ قعد بَيْنَ يَدي، فَقَالَ لي: الْملك يَقْرَأ عَلَيْكَ السّلام، وَيَقُول لَك: من أَنْت؟ وَمَا جَاءَ بك إِلَى بلادي؟ أمحارب أم رَاغِب إليّ أم مستجيرٌ بِي، قُلْتُ: ترد عَلَى الْملك السَّلام، وَتقول لَهُ: أما مُحَاربًا لَك فمعاذ اللَّه فَأَما رَاغِبًا فِي دينك فَمَا كُنْت أبغي بديني بَدَلا، وَأما مُستجيرٌ بك فَلَعَمْري، قَالَ: فَذهب ثُمّ رَجَعَ إليّ، فَقَالَ: إِن الْملك يقْرَأ عَلَيْك السَّلام، وَيَقُولُ لَك: أَنَا صائر إِلَيْك غَدا فَلَا تُحْدِثَنَّ فِي نَفسك حَدَثًا وَلا تَتَّخِذْ شَيْئا من ميرةٍ فَإِنَّهَا تَأْتِيك وَمَا تحْتَاج إِلَيْهِ، فَأَقْبَلت الميرةُ فأمرتُ غلماني ففرشوا ذَلِكَ الْفرش كُله وَأمرت بفرشٍ فنُصِبَت لَهُ وُلي مثله، وأقبلتُ من غدٍ أرْقُب مَجِيئه، فَبينا أَنَا كَذَلِك إِذْ أقبل غلماني يحْضرُون، قَالُوا: إِن الْملك قَدْ أقبل، فقمتُ بَيْنَ شُرْفتين من شُرَف القَصْر أنظر إِلَيْهِ، فَإِذا أَنَا برجلٍ قَدْ لَبِس بُرْدَيْن ائْتَزر بِأَحَدِهِمَا وارتدى الآخر، حافٍ راجلٍ وَإِذَا عشرَة مَعَهم الحراب ثَلَاثَة يقدمونه وَسَبْعَة خَلفه، وَإِذَا الرَّجُل الموجهُ إِلَى جَنْبة فاستصغرتُ أمره، وَهَان عَليّ لما رأيتهُ فِي تِلْكَ الْحَال، وسولَتْ لي نَفسِي قَتله، فَلَمَّا قَرُب من الدَّار إِذا أَنا بسواد عَظِيم، فَقلت: مَا هَذَا السوَاد؟ فَقِيل: الخيلُ، فَوَافى يَا أَمِير الْمُؤْمِنِين زهاء عشرَة آلَاف عنان، وَكَانَ موافاة الْخَيل الدَّار فِي وَقت دُخُوله فأحد قوابها، فَدخل إليّ فَلَمَّا نظر إليّ، قَالَ: لِترْجُمَانِهِ: أَيْنَ الرَّجُل؟ فَأَوْمأ الترجمانُ إليّ، فَلَمَّا نظر إليّ، وَثَبت لَهُ فأعظم ذَلِكَ وَأخذ بيَدي فقبلها ووضعها عَلَى صَدره، وَجَعَل يدْفع مَا وَالِي الْفُسطاط بِرجلِهِ ويشوِّش الفَرْشَ، فظننتُ أَن ذَلِك شَيْئا يجلونه أَن يطؤوا عَلَى مثله حَتَّى انْتهى إِلَى الْفراش فَقلت لِترْجُمَانِهِ: سُبْحَانَ اللَّه لِمَ لَمْ يقْعد عَلَى الْموضع الَّذِي قد وطىء، فَقَالَ: قل لَهُ: إِنِّي ملكٌ، وحقُّ كُلّ ملك أَن يتواضع لعظمةِ اللَّه إِذْ رَفعه اللَّه، قَالَ: ثُمّ أقبل طَويلا ينكت بإصبعه فِي الأَرْض ثُمّ رفع رَأسه، فَقَالَ لي، كَيفَ سُلِبتم هَذَا الْمُلْك وأخِذ مِنْكُم وَأَنت أقرب النَّاس إِلَى نبيَّكم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقلت: جَاءَ من كَانَ أقرب قرَابَة إِلَى نَبينَا صلّى اللَّه عَلَيْهِ وَسلم فسلبنا وقتلنا فَطُرِدْنا، فَخرجت إِلَيْك مُستجيرًا بِاللَّه عَزَّ وَجَلّ ثُمّ بك، قَالَ: كُنْتُم تشربون الْخمر وَهِي محرمةٌ عَلَيْكُم فِي كتابكُمْ؟ فَقلت: فعل ذَلِكَ عبيدٌ وأتباعٌ وأعاجمُ دخلُوا فِي ملكنا، من غَيْر رَأينَا، قَالَ: فَلم كُنْتُم تَلْبَسُون الْحَرِير والدِّيباج، وعَلى دوابكم الذهبُ والْفِضة وَقَدْ حُرِّم ذَلِكَ عَلَيْكُم، قُلْتُ: عبيدٌ وأتباعٌ دَخَلُوا فِي مُلْكنا، قَالَ: قَالَ: فَلم كُنْتم أَنْتُم بأعيانكم
إِذا خرجتُم إِلَى نُزَهِكُم وصَيْدكُم تَقَحَّمْتم عَلَى الْقُرى فكلَّفْتم أَهلهَا مَا لَا طَاقَة لَهُم بِهِ، بالضَّرب الوجيع ثُمّ لَا يُقْنِعكُم ذَلِكَ حَتَّى تدوسُوا زُرُوعَكُم فتُفْسِدُوها فِي طلب دراجٍ قيمتُه نصف دِرْهَم، أَوْ فِي عُصْفُور قيمتهُ لَا شيءَ وَالْفساد محرَّمٌ عَلَيْكُم فِي دينكُمْ، قُلْتُ: عبيدٌ وَأَتْبَاع، قَالَ: لَا وَلَكِنَّكُمْ استحللتم مَا حَرَّم اللَّه عَلَيْكُم وأتَيْتُمْ مَا عَنْهُ نَهاكُم، فَسَلبَكُم اللَّه العزَّ وألبسكم الذُّل، وَللَّه فِيكُم نقمة لَمْ تبلغْ غايتها بعدُ، وَإِنِّي أتخوَّف أَن تنزل النِّقْمةُ وَهِي إِذا نزلت عَمَّتْ وشَمِلتْ، فاخْرُجْ بعد ثَلَاث، فَإِنِّي إِن وجدتُك بعْدهَا أخذْتُ جَمِيع مَا معلك وقتلتُك وقتلتُ جميعَ مَنْ مَعَك، ثُمّ وثب فَخرج. فأقمت ثَلَاثًا وَخرجت إِلَى مصر، فأخَذَني واليك فَبعث بِي إِلَيْك فها أنذا وَالْمَوْت أحبُّ إليّ من الْحَيَاة، قَالَ: فَهَمَّ أَبُو جَعْفَر بِإِطْلَاقِهِ، فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِيل بْن عَلِيّ: فِي عُنُقي بيعةٌ لَهُ، قَالَ: فَمَاذَا ترى؟ قَالَ: ينزلُ فِي دارٍ من دُورنا ونُجْرِي عَلَيْه مَا يَجْري عَلَى مِثله، قَالَ: فَفُعِل ذَلِكَ بِهِ، فواللَّهِ مَا أَدْرِي أمات فِي حَبسه أَن أطلقهُ الْمهْدي. خرجتُم إِلَى نُزَهِكُم وصَيْدكُم تَقَحَّمْتم عَلَى الْقُرى فكلَّفْتم أَهلهَا مَا لَا طَاقَة لَهُم بِهِ، بالضَّرب الوجيع ثُمّ لَا يُقْنِعكُم ذَلِكَ حَتَّى تدوسُوا زُرُوعَكُم فتُفْسِدُوها فِي طلب دراجٍ قيمتُه نصف دِرْهَم، أَوْ فِي عُصْفُور قيمتهُ لَا شيءَ وَالْفساد محرَّمٌ عَلَيْكُم فِي دينكُمْ، قُلْتُ:

اسم الکتاب : الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي المؤلف : ابن طرار، أبو الفرج    الجزء : 1  صفحة : 371
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست