responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي المؤلف : ابن طرار، أبو الفرج    الجزء : 1  صفحة : 28
الْمجْلس الرَّابِع
إِن من الشّعْر حكما
حَدثنَا أَحْمد بن إِسْحَق بْنِ بُهْلُولٍ إِمْلاءً فِي يَوْمِ الاثْنَيْنِ لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ شعْبَان سنة سِتّ عشرَة وثلثمائة، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكَمًا، وَإِنَّ أَصْدَقَ بَيْتٍ تَكَلَّمَتْ بِهِ الْعَرَبُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: أَلا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلا اللَّهَ بَاطِلٌ "

مَذْهَب للمؤلف فِي الصَّغِير
قَالَ القَاضِي أَبُو الفَرَج: هَذَا الْبَيْت الَّذِي حَكَاهُ النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَائِله من الشُّعَرَاء هُوَ للبيد بْن ربيعَة، افْتتح بِهِ كلمة فَقَالَ فِي أَولهَا:
أَلا كُلُّ شيءٍ مَا خَلا اللَّهُ بَاطلُ ... وكلُّ نُعَيْم لَا محالةَ زائلُ
وَبعده:
وكلُّ أناسٍ سَوف تدخلُ بَينهم ... دويْهيةٌ تصفرُّ مِنْهَا الأنامل
وَقد روى أنَّ عُثْمَان رضوَان اللَّه عَلَيْهِ، لمّا سمع قَوْله: وكل نُعَيْم لَا محَالة زائل، قَالَ كذب، نُعَيْم أَهْلَ الْجنَّة لَا يَزُول، وَهَذَا القَوْل من عُثْمَان يدل عَلَى أنَّ مَذْهَب الْقَوْم فِي الْعُمُوم هُوَ جارٍ فِي لغتهم عَلَى الشُّمُول عِنْدَ تجرده واستغراق الْجِنْس بِإِطْلَاق لَفظه.
وأمّا قَول لبيد فِي الْبَيْت الآخر: دُويهية عَلَى التصغير، فَمن النّاس من يَقُولُ هُوَ تصغيرٌ مَعْنَاهُ التَّكْبِير، وجعلهُ مثبتو الأضداد فِي اللُّغَة من الأضداد، وَقَالَ بَعضهم: بل هُوَ عَلَى تصغيره، وَإِنَّمَا أُرِيد بِهِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الصَّغِير مِنْهُ يبلغ هَذِه الْمبلغ، ويؤثر هَذِه الْأَثر فكبيره أعظم وأبلغ، وَلِي فِي هَذَا مَذْهَب استخرجته بنظري، وَمَا علمت أحدا سبقني إِلَيْهِ وَلَا تقدَّمني فِيهِ، وَلَكِن اللَّه الَّذِي يُؤْتي الْحِكْمَة من يَشَاء نبهني عَلَيْهِ، وَهُوَ أنَّ الِاسْم المصغر فِي ذَاته وَقلة أَجْزَائِهِ فالْحُجَيرة الصَّغِيرَة الَّتِي لَيْسَ حجرَة كَبِيرَة، وأمّا الْمُتَعَلّق بِشَيْء يسير فكقولك: أَتَيْتُك قُبيل الْعَصْر أَوْ بُعيد الْفجْر، فَتبين أنَّ الْمُتَقَدّم من الزَّمَان فِي قَوْلك قبيل يسير قَلِيل، والمتأخر مِنْهُ فِي قَوْلك بعيد قصير لَيْسَ بطويل، وَنَحْو هَذَا قديديمة وريئة فِي قُدَّام ووراء يجْرِي الْأَمر فِيهِ من جِهَة الْأَمْكِنَة مجْرَاه فِيمَا قدمْنَاهُ من بَاب الْأَزْمِنَة كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
قديديمةُ التّجريبِ والحْلمِ أنّني ... أرى غفلاتِ العيشِ قَبلَ التّجارِبِ
فَظن من قَالَ إنَّ التصغير فِي هَذَا الْبَاب تَكْبِير لمّا رَأَى أنَّ الْقَصْد من قَائِله الْإِشْعَار بِأَمْر عَظِيم وخَطْب كَبِير جسيم، وَلَو تَأمل هَذَا الظانُّ الأمرَ فِي هَذَا لبان لَهُ أنَّ الصّغير عَلَى صغره، فَإِنَّهُ نتج كَبِيرا وَأدّى إِلَيْهِ عَظِيما فِي نَفعه أَوْ ضَرَره، وكل وَاحِد من الْأَمريْنِ عَلَى حَقِيقَته فِي نَفسه، وخصوصيته فِي جنسه، فالدُّوَيْهِية هُنَا صَغِيرَة جَرَّت أمرا كَبِيرا، كَمَا قَالَ:
ربَّ كبيرٍ هَاجهُ صغيرٌ ... وَفِي البُحُور تغرقُ النُّحورُ

اسم الکتاب : الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي المؤلف : ابن طرار، أبو الفرج    الجزء : 1  صفحة : 28
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست