responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي المؤلف : ابن طرار، أبو الفرج    الجزء : 1  صفحة : 215
من بلاغة خَالِد بْن صَفْوَان وحُسْنِ كَلَامه
حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْخُتُلِّيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو حَفْص النَّسَائيّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْنُ عَمْرٍو، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ:
خَرَجَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَمَعَهُ مَسْلَمَةَ أَخُوهُ إِلَى مَصَانِعَ قَدْ هُيِّئَتْ لَهُ وَزُيِّنَتْ بِأَنْوَاعِ النَّبْتِ، وَتَوَافَى إِلَيْهِ بِهَا وُفُودُ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ، قَالَ: فَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَقَدْ بُسِطَ لَهُ فِي مَجَالِسَ مشرفةٍ، مطلةٍ عَلَى مَا شُقَّ لَهُ مِنَ الأَنْهَارِ الْمُحِفَّةِ بِالزَّيْتُونِ فِي سَائِرِ الأَشْجَارِ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ! هَلْ فِيكُمْ مِثْلُ هَذِهِ الْمَصَانِعِ؟ قَالُوا: لَا، غَيْرَ أَنَّ فِينَا قَبْرَ نَبِيِّنَا الْمُرْسل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، ثُمّ الْتَفَتَ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَقَالَ: أَفِيكُمْ مِثْلُ هَذِهِ الْمَصَانِعِ؟ قَالُوا: لَا، غَيْرَ أَنَّ فِينَا تِلاوَةَ كِتَابِ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَقَالَ: أَفِيكُمْ مِثْلُ هَذِهِ الْمَصَانِعِ؟ قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ خَالِدُ بْنُ صَفْوَانَ: فَقَالَ: أَصْلَحَ اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ هَؤُلاءِ قَدْ أَقَرُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَهُ لسانٌ وبيانٌ لأَجَابَ عَنْهُمْ، فَقَالَ لَهُ هِشَامٌ: أَفَعِنْدَكَ غَيْرُ مَا قَالُوا؟ قَالَ: نَعَمْ، أَصِفُ بِلادِي، وَقَدْ رَأَيْتُ بِلادَكَ نَفْسَهَا، فَقَالَ: هَاتِ، فَقَالَ: يَعْدُو قَانِصُنَا فَيَجِيءُ هَذَا بالشَّبُّوط والشِّيم، وَيَجِيء هَذَا بالظَّبْي والظَّلِيم، وَنحن أكثرُ النّاس عاجًا وساجًا، وخزًّا وديباجاً، وخريدة مغناجاً، وبرذرناً هِمْلاجًا، وَنحن أَكثر النّاس فَيْدًا ونقدًا، وَنحن أوسعُ الناسِ بَرِّيَّةً، وأريفهم بحريَّة، وَأَكْثَرهم ذُرِّيَّة وأبعدُهُم سَريَة، بُيُوتنَا ذهب، ونهرنا عجب، أَوله رُطب، وآخرهُ عِنَب، وأوسطُه قَصَب.
فأمّا نهرهُ العجبُ، فَإِن الماءَ يُقبل وَلَهُ عُبَاب وَنحن نيامٌ عَلَى فُرُشِنا، حَتَّى يدْخل بأرضنا، فيغْسِل آنيتَها، وَيَعْلُو مَتْنَها، فنبلغ مِنْهُ حاجتنا، وَنحن عَلَى فرشنا، لَا نُنافِسُ فِيهِ من قِلَّة، وَلا نُمنَعُ مِنْهُ لِذِلَّة، يأتينا عِنْد حاجتنا إِلَيْهِ، وَيذْهب عَنَّا عِنْد ريِّنا مِنْهُ، وغناءنا عَنْهُ.
النخلُ عندنَا فِي منابته، كالزَّيتون عنْدكُمْ فِي مَنَازِله، فَذَلِك فِي أَوَانه، كَهَذا فِي إبّانه، ذَاك فِي أفنانه، كَهَذا فِي أغصانه، يخرجُ أَسْفَاطًا عِظامًا وأوساطًا، ثُمّ ينغلقُ عَنْ قضبان الْفِضَّة منظومة بالزبرجد الْأَخْضَر، ثُمّ يصير أصفر وأحمر، ثُمّ يصير عسلا فِي شَنِّه، مرتتجًا بِقَرَبِه، وَلا إِنَاء حولهَا الْمُذَاب، ودونها الحراب، لَا يقربهَا الذُّبَاب، مَرْفُوعَة عَنِ التُّرَاب، من الرَّاسِخاتِ فِي الوَحْل، الْمُلْقَحَاتِ بالفَحْل، الْمُطْعِمَات فِي المَحْل.
وأمّا بيوتُنا الذَّهَب فَإنَّا لنا عَلَيْهِنَّ خَرْجًا فِي السنين والشهور نَأْخُذهُ فِي أوقاته، وَيدْفَع اللَّه عَنْهُ آفاته، وننفقه فِي مرضاته.
قَالَ: فَقَالَ هِشَام: وأنّي لَكُمُ هَذَا يَا ابْن صَفْوَان وَلَمْ تسبقوا إِلَيْهِ، وَلَمْ تغلبُوا عَلَيْه؟ فَقَالَ: ورثناه عَنِ الْآبَاء ونَغْمُرُه للأبناء، ويدفعُ لنا عَنْهُ ربُّ السَّمَاء، فمثلُنا فِيهِ كَمَا قَالَ أَوْسُ بْن مَغْراء الشَّاعِر:
فمهما كَانَ مِنْ خيرٍ فإنَّا ... وَرِثْنَاهُ أَوَائِلَ أوَّلِينَا

اسم الکتاب : الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي المؤلف : ابن طرار، أبو الفرج    الجزء : 1  صفحة : 215
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست