والإنسان ربما أشتكى علة من حرارة شديدة أو من دم فتوجب العلة أن تكون قارورته حمراء، فيشرب في الليل شربة ماء، أو يأكل رماناً فيغير ذلك المقدار ماءه، ويحيله حتى يدل على غير علته، ويشكل على الطبيب أمره.
ويحتاج من كان عارفاً بالجوارح، كثير الملازمة لها، والتجربة لعللها، إلا يخفى عليه كل جارح، وأن يعرف ذلك ظاهراً وباطناً، بذرق الجارح، ويجعل ذلك شاهداً على العلة. كما يجعل الطبيب الماء شاهداً على العلة، ويحتاج مع ذلك إلا يخالف فعل الطبيب العالم، ولا يحكم على الذرق ويدع ما سواه من الشواهد، لأن الطبيب العالم لا يحكم على الماء دون المجسّة، وما يبين له من حالات العليل، وأن حكم بغير معرفة فقد ضل الطريق، وكذا ينبغي لمن عرف الذرق إلا يحكم عليه ون غيره من الشاهد كالبازي الذي يتزنجر ذرقه وذلك يدل على الاسطارم وهي علة لا دواء لها، وتراه صافي العين، ممتلئ الصدر، حسن الحال، ولا يكون اسطارمي صافي العين أبداً، ولا سميناً لأن هذه العلة في الجارح بمنزلة وجع السل من الإنسان، فمتى يوجدَ من به السل من الناس سميناً أو حسن الحال؟ فيحتاج إذا وقف على الذرق ورأى به منه شيئاً، أن يتفقد حال البازي وينظر إلى عينيه ولحمه، وحسن استمرائه للطعم، وإلى ما أطعمه بالأمس، فأنه ربما أطعمه ما يتغير منه ذرقه، وليس ذلك بضائر له، فإذا وقف على ذرقه عالجه بما يعالج به العليل من ذلك الداء الذي دلّ عليه ذلك الذرق، كالبازي يصيد طائراً فيجب أن تطعمه من دمه، لأن الدم في الاحايين مما ينتفع به إذا غذاءه، ويسهله وينظف جوفه ويجيعه، فإذا أكله تغير ذرقه، لأن الدم يغير ذرق الجارح، وليس عليه من ذلك التغير خوف، فيقدّر من رأى ذلك الذرق أنه من تعبٍ لحق