العموم لا جميع أفراده، وإذا سُلّط العموم على المنفي بأداة النفي فإنَّه يَدُلُّ حينئذٍ على نفي جميع الأفراد.
فإذا قلنا: "ليس كان إنسان كاتباً" بتسليط السَّلْب على العموم فمعنى هذه الجملة أنّ بعض الناس غير كاتب، وهذا حكم صادق.
وإذا قلنا: "كُلُّ إنسان ليس كاتباً" بتسليط اللفظ الدال على العموم على الجملة المنفيّة "المسلوبة" فمعنى هذه الجملة أنه لا أحد في الناس هو كاتب، وهذا حكم كاذب غير صحيح.
فمعني كلٍّ من الجملتين قد أُخِذَ عقليّاً من تسليط النفي على العموم، ومن تسليط العموم على النفي، ولم يُؤْخَذْ من دواعي بلاغية، وهذا الموضوع هو من اهتمامات علماء المنطق وعلماء أصول الفقه، وقد شرحتُه في مقولةٍ خاصة في كتابي: "ضوابط المعرفة وأصول الاستدلال والمناظرة".
انظر إلى قول القائل: "كُلُّ كبائر الإِثم لم أرتكبها" فإنّك تجد أن هذا الكلام يفيد أنه لم يرتكب شيئاً من كبائر الإِثم، ولذلك قد يعترض عليه بمثل قول القائل: "بل ارتكبْتَ بضعها".
انظر إلى قول القائل: "لم أرتكبْ كُلَّ كبائِرِ الإِثْم" فإنّك تجد أنَّ صاحب هذا الكلام لا ينفي عن نفسه أنّه ربما ارتكب بعض كبائر الإِثم، من أجل هذا لم يصحّ أن يُعتَرضَ عليه بمثل قول القائل: "بل ارتكبت بعضها" لأنّ هذا أمر لم ينفه عن نفسه، وإنما قد يُعْتَرض عليه بمثل قول القائل: "بل ارتكبْتَ جَميعَ كَبَائر الإِثم" إذا كان قد ارْتكبَهَا فِعلاً.