أي: أنت لا تسيءُ إلى أصدقائك - وأنت تُحْسِن معاشرة أهلك بالمعروف - وأنت لا تمنع الزكاة، دون أن تريد التعريض بغيره، مُومِئاً إلى أن من تعرّض به يسيءُ إلى أصدقائه، أو لا يعاشر أهله بالمعروف، أو يمنع الزكاة.
* ومنه قول المتنبي من قصيدة يُعَزِّي بها أبا شجاع عضد الدولة وقد ماتتْ عمّته:
مِثْلُكَ يَثْني الْحُزْنَ عَنْ صَوْبِهِ ... وَيَسْتَرِدُّ الدَّمْعَ عَنْ غَرْبِهِ
وَلَمْ أَقُلْ "مِثْلُكَ" أَعْنِي بِهِ ... سِوَاكَ يَا فَرْداً بِلاَ مُشْبِهِ
يَثْنِي: أي: يَعْطِفُ ويَصْرِف.
عَنْ صَوْبِهِ: أي: عن قَصْدِه.
عن غَرْبِهِ: أي: عن مجراه. الْغَرْبُ: مجْرَى الدَّمْعِ وَجمعه "غُروب".
والمعنى: أنت تقدر أن تَعْطِفَ وتصرفَ الحزْنَ عن قصده حين يتوجه لنفسك وقلبك، بالحكمة والصّبْر.
وأنت تستطيع أن تسترجع بقوّة احتمالك وبالغ عزمك الدمعَ عن مجراه، وتمنعَهُ من متابعة الجري.
***
الملاحظة الثانية: على خلاف ما ذكر البلاغيون فإنني لست أرى أن يُلْحق بباب التقديم والتأخير البلاغي تقديم أداة النفي على اللفظ الدالّ على العموم، ولا تقديم اللفظ الدالّ على العموم على أداة النفي، فهذه قضية فكرية تتصل بأصل بناء الكلام في أدائه للمعاني، وهي ترجع إلى قاعدة "سَلْبِ العموم أو عُموم السلب" فإذا سُلِّط النفي على العموم لم يلزم منه نفي جميع الأفراد، لأنّ المنفيّ حنيئذٍ هو