ومن الأساليب الذكيّة غير المباشرة أن يحاول جعل المخاطَب هو الذي يعبّر بنفسه عن المعنى، أو يُدْرِكُه بنفسه ولو لم يُعبِّر عنه بكلامه.
والطريق السهل للوصول إلى هذه الغاية، أن يطرح على المخاطب جملةً استفهاميَّةً موجّهةً توجيهاً خاصّاً، إذ يحيطها بقرائن تجعله يدرك المعنى بنفسه، سواء عبّر عنه بالجواب أو لم يُعَبِّر.
ولمّا كانت المعاني التي يمكن الإِشارة إليها من طرفٍ خفيّ كثيرة جدّاً، ويُمْكنُ استدعاؤها إلى الذهن عن طريق طرح السُّؤال الذي لا يُصَرَّحُ فيه بالمراد، كان من الأمر الطبيعيّ في الكلام أن يُصَاغ فيه جُمَلٌ استفهاميّة محفوفةٌ بقرائن الحال أو المقال، بغيَةَ استدراج المخاطَب لإدراكها، وقد يُصَرِّح في جوابه بما أدرك من معنى، أو يكتفي بإدراك المراد، ويعلم أن السؤال قد طُرِح لمجرّد إفهامه الغرض من السؤال.
والمحققون من علماء البلاغة يَرَوْنَ أَنَّ معنى الاستفهام يبقَى ولكن ينضم إليه ما يُستفاد منه من المعاني التي يُدَلُّ بِه عليها.
***
شرح المعاني التي يُدَلُّ عليها بالاستفهام مع الأمثلة
(1) شرح الاستفهام المستَعْمَل في الإِنْكار:
ويُسَمَّى استفهاماً إنكاريّاً، ويُرادُ منه النفي، مع الإِنكار على المثْبِتِ كَيْفَ أَثْبَتَ مَا هو ظاهر النفي، وكانَ الواجبُ عليه أن يَنْفِي، أو مع الإِنكار على المخاطب قضيَّته، وهي باطلةٌ في تصوُّرِ مُوجِّه الاستفهام.
وقد يأتي بعدُه الاستثناء كما يأتي بعد المنفي بأداةٍ من أدوات النفي، وقد يعطفُ عليه المنفي.