يَا أَعْدَلَ الناسِ إلاَّ في مُعَامَلَتي ... فيكَ الخِصَامُ وَأَنْتَ الْخَصْمُ والْحَكَمُ
أُعِيذُها نَظَراتٍ مِنْكَ صَادِقَةً ... أَنْ تَحْسَبَ الشَّحْمَ فِيمَنْ شَحْمُهُ وَرَمُ
***
أمثلة من خروج النداء عن معناه الأصلي إلى معاني أخرى
الّذي أراه أنّ النداء بمعنى رفع الصوت بحرف " أ " أو "يا" أو "وا" أو نحوها، عند تحرّك النفس بأيّ شعورٍ داخليٍّ هو من مظاهر الفطرة التلقائيّة الموجودة لدى الأطفال عند مطالبهم وأوجاعهم وأحزانهم وفرحهم وسرورهم وتعجُّبهم وغير ذلك من مشاعر على اختلاف هذه المشاعر على اختلاف هذه المشاعر التي تتحرّك في نفوسهم، وعلى تناقضها، فهم بالدافع الفطريّ يريدون التعبير عنها بأصواتهم، وقد يُسْتَدَلُّ على اختلاف المعاني باختلاف نغمات الأصوات، وما يقترن بها من بكاء أو ضحك أو مظاهر دهشة، أو تلَهُّفٍ لمطلوبٍ يريدونه، أو انزعاجٍ من أمرٍ يكرهونه، أو حركةٍ تدلُّ على أَلَمٍ يعانون منه.
وبقي لهذا المظهر من مظاهر التعبيرات الفطريّة التلقائيّة أثَرٌ في اللّغة، وبدأ المفكّر المعبّر بالكلمة يتصرّف باستخدام أدوات النداء في غير طلب الإِجابة لأمْرٍ ما، كحالِ الطفْلِ، إلاَّ أَنَّهُ خَصَّصَ بعض الأدوات لبعض المعاني، وجعلَ القرائن القولية والحالية تدلُّ على مشاعره النفسيَّةِ التي يريد التعبير عنها.
ونظر علماء اللّغة العربيّة، ثُمَّ علماءُ البلاغةِ إلى خروج أدوات النداء عن غرض طلب الإِجابة لأمْرٍ ما، إلى معانٍ أخرى، فرأوا أنّه من الأساليب البلاغيّة التي يَحْسُن التَّنْبِيه عليها في علم المعاني، وعرضُ طائفة من أمثلتها.
وهي فيما أرى بمثابة الزُّجاج الشفاف الذي يتلَوّن بلون الأشعةِ المسلَّطة عليه أو المقارنة له، لا أنّ أدوات النداء تستعمل للدّلالة على هذه المعاني التي نفهمها من القرائن، ولسْتُ أقول: إنّها مُطْلَقُ أصواتٍ لا معنى لها، بل هي أصواتٌ تَظْهَرُ لَها مَعَانٍ بدلالاتِ القرائن القوليّة والحاليّة.