اسم الکتاب : البديع في وصف الربيع المؤلف : الحميري، أبو الوليد الجزء : 1 صفحة : 36
الورد عندي في الخدود نفاسة ... ورياسة مهما يقس أو يلحظ
هو آخر وله التقدم أولا ... كم آخر قد حاز مفخر من حظي
وقد اعتمدت على الذي حبرته ... في نظمك الزاري بلفظ اللفظ
وفضضتها صفراء يعشي ضوؤها ... حدق العيون الرانيات اللحظ
قال أبو الوليد: وأهدى إلي صاحب الشرطة أبو بكر بن القوطية ثلاث وردات ليلة المهرجان، وكتب إلي معها أبياتا أنيقة المعنى [دقيقة المغزى] ، وهي: [الوافر]
بعثت بأغرب الأشياء طرا ... وأعجبها لمختبر ومخبر
بورد ناعم غض نضير ... يروقك ناسما طورا ومبصر
أتى في المهرجان فكان فوق ال ... بكير غرابة وهو المؤخر
وإغراب المؤخر عن أوان ... يجيء به كإغراب المبكر
ولما أن غشيت الروض منه ... بروض فيك من مدحي منور
وقلت له: استمع لحلى كريم الس ... سجايا منتقى من سر حمير
تفتح من كمائمه وأبدى ... من النفحات ما قد كان أضمر
فماء ثنائك العالي سقاه ... ومن أخلاقك العليا تفطر
فأوسعه القبول ودم عزيزا ... مكينا ما جرى نجم وغور
فلما وردت الورد الثلاث علي، ووصلت إلي، بعثت بها إلى أبي_وقاه الله بي_ وكتبت إليه معها أربعة أبيات بديهة وهي: [الكامل]
يا من تأزر بالمكارم وارتدى ... بالمجد والفضل الرفيع الفائق
انظر إلى خد الربيع مركبا ... في وجه هذا المهرجان الرائق
ورد تقدم إذ تأخر واغتدى ... في الحسن والإحسان أول سابق
وافاك مشتملا بثوب حيائه ... خجلا لأن حياك آخر لاحق
ولي أيضا فيه قطعة موصولة بمدح أبي_أبقى الله علي ظله، وقدمني إلى المنون قبله_ وهي: [الخفيف]
إنما الورد في ذرى شجراته ... كأجل الملوك في هيئاته
رائق منظرا وخبرا وفذ ... في حلاه التي حلت وصفاته
نفحة المسك من شذا نفحاته ... خجل الخد من سنا خجلاته
مزجت حمرة اليواقيت بالدر ... ر فجاءت به على حسب ذاته
مثلما جاء من سماح وبأس ... خلق الحميري سم عداته
إن يعد فالوفاء حتم عليه ... فرضه في صلاته كصلاته
ولي قطعة نثر كتبت بها إلى صاحب الشرطة [أبي الوليد بن العثماني] وبعثت معها وردا مبكرا: "بعثت بخدود المعشوقين قد أدمتها ألحاظ العاشقين، وأدمنت عليها ناظرة، فتساقطت هكذا ناضرة، فاحكم على العيون للخدود، على ألا تعود إلى الصدود، والسلام". قال أبو الوليد: وحين استوفيت ما حصل عندي من الوصف للورد أبدأ بذكر ما عثرت عليه من المستحسن في وصف السوسن فهو صاحب الورد في زمانه، ومشاركه في أوانه.
السوسن
قال أبو الوليد: يقال: سوسن وسوسان بالألف ودونها، وقد تكررت في الشعر اللغتان، وترددت التسميتان. فمن مليح ما جاء فيه، وشبه به، قول أبي عمر أحمد بن فرج الجياني وهو: [مجزوء الوافر]
بعثت بسوسن نضر ... ينم كجونة العطر
كأكؤس فضة فيها ... نفايا شهلة الخمر
أو الوجنات منك دنت ... إلى وجناتي الصفر
وللوزير الكاتب أبي مروان بن الجزيري فيه وصف مفضل له، مستحسن [منه وهو] : [الكامل]
وملسن الطاقات أبيض ناصع ... يزهي بأصفر من جناه فاقع
أعداد زهرته إذا حصلتها ... ست سوى عدد الرقيب السابع
سكنت قرارة حجره كلفا به ... كالأم تكلف بالصغير الراضع
صافي الأديم إذا تخلق صدره ... بخلوق أرؤسها الذكي المائع
أهدى الصبابة والهوى بنسيمه ... وبديع منظره الأنيق الرائع
سموه بالسوسان ظلما واسمه ... في ما خلا ساسان غير مدافع
لما استذاع بفارس كلفت به ... أملاكه فدعته باسم شائع
الرقيب: هو القائم في وسط السوسنة. وساسان: اسم ملك فارسي. أراد بهذا التمليح التنويه به، والترفيع من قدره. ومن [المستندر] المستحسن في وصف السوسن، قول أبي عمر الرمادي وهو: [الخفيف]
سوسن كالسوالف البيض لاحت ... لمحب متيم من حبيب
قد أعارت عيوننا كل حسن ... وأعارت أنوفنا كل طيب
بعضها عاشق لبعض فبعض ... لمحب والبعض للمحبوب
فالحبيب المبيض منها إذا اصفر ... ر سواه اصفرار صب كئيب
اسم الکتاب : البديع في وصف الربيع المؤلف : الحميري، أبو الوليد الجزء : 1 صفحة : 36