اسم الکتاب : الأدب الجاهلي في آثار الدارسين قديما وحديثا المؤلف : عفيف عبد الرحمن الجزء : 1 صفحة : 311
حيوية وإبداعية، ويمدنا كذلك بمحور مركزي لمجموعة العناصر القابلة للمشاركة[1]. والباحث من خلال عرض نماذج من الشعر القديم يثبت أن التشكيل المكاني الشعري قد منح حواسّنا القدرة على الإدراك الحدسي الذي تجاوزنا به سطوح المواد المتجمعة إلى الأعماق البعيدة المفتوحة على اللا محدود من الأمكنة[2].
أما الطاقة التي تعطي المكان القدرة العظيمة, فهي طاقة الخيال التي تتحوّل فيها الأشياء الصغيرة إلى عوالم واسعة، ولذا ربط النقاد المكان بالخيال[3]. وهذا يخلص الباحث إلى أن الصورة الشعرية تستوعب صفات التشكيل المكاني، أي: الطرف الأول في تشكيل المعنى الشعري.
وأما التشكيل الزماني فيستوعب صفاته الإيقاع الموسيقي, ويتناول الباحث الإيقاع في بعدين: البعد الطولي وهو الحركة الترددية التي تعتبر الأشياء أثناء قراءتنا من اليمين إلى اليسار, وتؤلف إيقاعًا موضعيًّا. والثاني: البعد الشاقولي، وهو يعني: الحركة التزامنية التي تعبر القصيدة من أولها إلى آخرها, وتؤلف إيقاعًا بنائيًّا. ويثمل ببائية أبي تمام على البعد الإيقاعي الأول، بينما يمثل للبعد الثاني بسينية امرئ القيس، ولامية ضابئ البرجمي[4].
ويخلص الباحث إلى القول بأن المكان في الأدب يحتاج إلى الزمان، لأنه يتشكل فيه ويتحرك بحركته عبر أشيائه، وإن الزمان يؤلف من مجموع الأصوات الرفيعة مكانًا نغميًّا تعرضه الأذن متحركًا عبر المكان، فيدرك ويفكر بأبعاده وعلاقاته[5]. أما النتيجة الختامية لجولته النظرية التطبيقية هي أن مجموع التشكيلات المكانية والزمانية في الشعر تتفاعل معها لبناء شبكة من العلاقات المختلفة التي تتقارب وتتباعد في أوضاع تزامنية وتواؤمية لخلق رؤيا إبداعية تنشأ عند الشاعر أولًا، ثم تنحل في الناقد فتحرك طاقات الإدراك الكامنة عنده ثانيًا, ويتولد المعنى الأعمق للإنسان والوجود من خلال التفاعل بين الرؤيا عند الأول والإدراك عند الثاني[6]. [1] تشكيل المعنى الشعري 56. [2] نفسه 64. [3] نفسه 64. [4] نفسه 65-86. [5] نفسه 68. [6] نفسه 71.
اسم الکتاب : الأدب الجاهلي في آثار الدارسين قديما وحديثا المؤلف : عفيف عبد الرحمن الجزء : 1 صفحة : 311