اسم الکتاب : الأدب الجاهلي في آثار الدارسين قديما وحديثا المؤلف : عفيف عبد الرحمن الجزء : 1 صفحة : 234
تلونت بمقومات وسمات أخرى عندما أصبح بالإمكان بعد الانطلاقة العربية الإسلامية[1].
وفي رأيه أن الشعر كان مرحلة في تكامل الشعب العربي, قامت قدرته على ما كان له من تأثير عام في بلورة وعي الشعب وتلاحمه، وإن كثيرًا من الباحثين لم يجدوا تعليلًا كافيًا للتأثير الذي يخلفه الشعر في نفس العربي[2], ويعترف الباحث في الوقت نفسه أن الشعر لم يبلغ مبلغًا كبيرًا في الانطلاق الفكري وراء تصور الحياة وتولينها بألوانٍ من الوهم لا يكون لها وجود في الواقع كالخرافات والأساطير التي هي ثمرة من ثمار العقل الحائر ومن عجزه، لأن الحياة نفسها هي التي كانت تتحرك ضمن نطاق الدورة المغلقة.
وهكذا ركز العربي دائمًا وجوده في كلمته؛ لأنها أكثر ديمومة من الصروح ومظاهر الحياة الأخرى التي تشوبها الهشاشة وعدم الثبات، وأضحى الأدب الجاهلي هو التعبير الأدبي عن نقطة التوازن الجديد بين انكفاء قسري إلى حياة القبيلة, وبين تطلع إلى كيان سياسي واجتماعي أبعد شوطًا في مطمار الحضارة, وهو صراع متوازن ومتداخل، صراع داخلي ضد الحياة القبلية دون التفريط بها, لانعدام البدليل المتحقق في الفعل, والمستقر المستمر خارج حدود الصحراء في عملية التخطي إلى عالم أرحب يمكن أن تقوم فيه الحضارة وتنمو وتزدهر. وبدون هذا التصور يظل الأدب الجاهلي في مجال التقييم يبدو أرفع مستوى مما يمكن أن تعكسه حياة قبيلة بدوية، مما يجعله قيد الشبهة الوضع اللاحق بعد قرن أو قرنين من ظهور الإسلام[3].
وخلاصة القول: إن الأدب الجاهلي قد عكس لنا "تأرجح العربي في تلك الفترة بين قطبين مكملين لموقفه من الحياة القبلية والحضارية, فقد كان طوع فردية تحاول أن تدفعه إلى رفع كل ضغط, وتثبيت الحقوق الدائمة للأنا الذاتية تجاه الحقوق الجماعية، وتعلق من ناحية أخرى بجماعته بصورة عميقة وذاتية، قد تصل إلى حد التضحية بالنفس"[4]. [1] مدخل إلى الأدب الجاهلي 96. [2] المرجع نفسه 97. [3] المرجع نفسه 99-100. [4] مدخل إلى الأدب الجاهلي 104-105.
اسم الکتاب : الأدب الجاهلي في آثار الدارسين قديما وحديثا المؤلف : عفيف عبد الرحمن الجزء : 1 صفحة : 234