responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الأدب الجاهلي في آثار الدارسين قديما وحديثا المؤلف : عفيف عبد الرحمن    الجزء : 1  صفحة : 230
شفاف تتجلى فيه الحياة بآلامها وآمالها، بواقعها المرير وأحلامها المنتظرة، فهو حزن مرهف مبدع عميق يهز الوجدان ويسموا بالعواطف في بيئة قلوبها صخر، ووجدانها موت وصلابة[1]. وأما عنترة فلم ينس أنه كان يومًا عبدًا في مجتمع السادة، ولكنه لم يترجمها عدوانًا على الذين سلبوه حريته زمانًا طويلًا، ولا حوَّلها سلبًا ونهبًا مستندًا إلى قوته، لكنه ضرب المثل للسادة أنفسهم كيف يكون السيد، وانعكس ذلك في شعره بأبيات تؤكد ذلك المسلك الكريم[2].
وأما المجال الثاني الذي فيه تطبيق على منهجه فهُمْ الصعاليك "شعراء متمردون"، فقد واكب الشعر تلك الأحداث الاجتماعية الكبيرة، بل عدَّه الكثيرون ثورة الفن الدائمة في مواجهة التخلف، والسجل الباقي للوعي البشري, ولم يكن الشعر العربي غريبًا عن الواقع العربي، ولم يتخاذل، ولم يعتزل متواريًا هاربًا، بل واكب عصره حساسية ونبضًا، مرتبطًا بواقعه وقضاياه، ومكثفًا الخبرة الشعورية والفنية بما بلغ التجربة الإنسانية, وأصلها في صورتها الحقيقية المؤثرة.
وكان الصعاليك أول ثورة واقعية متمردة في الشعر العربي، وقد اتخذ الصعلوك الإغارة والغزو شعارًا له، غير أن هذا الشعار قد اتخذ وجهين في التطبيق، فمنهم من طبقه بهدف التغلب على واقع اقتصادي قاسٍ ساد المجتمع، ومنهم من طبَّقه بقصد السلب والنهب، والصعاليك يشتركون في دوافهم: الفقر والإحساس بالظلم وفقدان المساواة والحرية، وإن اختلفوا في الوسائل، ويتحدون في نتائج تلك الدوافع وهو رفع الظلم والانتقام من الأثرياء والمستعبدين, ويبدو أنهم أرادوا أن يشذوا عن ذلك الواقع ما داموا يرفضونه، فأحدثوا أول صدع فني قوي الأثر تجلى في ملامح شعرهم الخاصة، واتسمت قصائدهم بالقصر, وتتناول موقفًا واحدًا، فاتسمت بالوحدة الموضوعية، وجاء شعرًا واقعيًّا التزم أصحاب به[3].
وأما إحسان سركيس فقد قرَّرَ منذ البداية أنه لا بُدَّ من فهم تراثنا وإفهامه من مناحٍ جديدة، ولا بُدَّ من رؤيته بأعين جديدة، وذلك من أجل أن يتَّصل خيط الرسالة الحضارية والاستمرارية التاريخية، ويرى أن مصيبة تراثنا تكمن في بعض مَنْ تناوله

[1] المرجع نفسه ص10.
[2] شعرنا القديم: رؤية عصرية ص21.
[3] شعرنا القديم: رؤية عصرية ص24-32.
اسم الکتاب : الأدب الجاهلي في آثار الدارسين قديما وحديثا المؤلف : عفيف عبد الرحمن    الجزء : 1  صفحة : 230
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست