اسم الکتاب : الأدب الجاهلي في آثار الدارسين قديما وحديثا المؤلف : عفيف عبد الرحمن الجزء : 1 صفحة : 13
تصل إلينا كاملة؛ لأن الرواة والمدونين دأبوا منذ عصور مبكرة على طمسها, لما فيه من إيقاظٍ للشعور الجاهلي الذي يقوم على العصبية.
وأيام الجاهلية زاخرة بإشارات ورموز حول آثار الشخوص الأسطورية والبلدان التي اندثرت من أمثال يوم اليمامة والعماليق الذين ذكروا فيه، وحرب البسوس ومعمرية، ويوم المشقر وذلك الحصن. واختلطت أخبار تلك الأيام أيضًا بالخرافات والبطولات الخارقة، ونستطيع أن نزعم أن الشعر الجاهلي لم يكن إلّا صدًى وتعبيرًا عن تلك الأيام، وامتدَّ أثرها إلى العصر الأموي في النقائض, وإن نظرة سريعة إلى المعلقات ترينا أن معظم هذه المعلقات كان صدى ليوم عظيم أو أكثر من تلك الأيام.
والعالم السادس: هو منهج القدماء في دراسته، فقد كانت دراستهم قائمة على استخراج معاني الألفاظ، والاستعانة بعد ذلك بالدراسة التحليلية، وقد ظلَّ تأثير هذا المنهج قائمًا حتى يومنا هذا عن بعض الدراسين، ولذلك أثره في توجيه دراسة الشعر, وعدم الالتفات لقضايا أخرى خطيرة فيه لو تنبهوا إليها لتغيَّرَ مجرى الشعر الجاهلي.
وأخيرًا فقد كان للتقاليد الفنية التي زعمها بعض نقاد القرنين الثالث والرابع وألزموا بها الآخرين, تأثير على سير ومنهج دراسة الأدب الجاهلي، وهي تقاليد صارمة كانت تخرج من يخرج عليها عن دائرة الشاعر والشعر, وقد أثبتت الدراسات المعاصرة أنها لم تكن عامة وملزمة حتى في العصر الجاهلي نفسه. ومثال ذلك: ما ذكره ابن قتيبة وغيره من بناء القصيدة, وضرورة البدء بالوقوف على الأطلال, ثم النسيب, فالرحلة فالغرض, وأثبتت الإحصائيات المعاصرة بأن الشعراء الذين التزموا بذلك من مجموع الشعر الذي وصل إلينا لا يصل إلى النصف، فإذا افترضنا أنهم كانوا يحكمون بهذا في عصر التدوين, فمعنى هذا أنهم منعوا شعرًا كثيرًا لم يلتزم بتلك التقاليد من أن يصل إلينا وإلى الذين سبقونا.
وقد أثَّرت عوامل على الأدب الجاهلي بعامَّة والشعر بخاصة تأثيرًا سلبيًّا يصل إلى درجة الجناية عليه، شوَّهت صورته، وحرمت الدراسين من الوقوف على حقيقته، وما زال تأثير بعضها قائمًا إلى يومنا هذا، ولعل من المفيد إيجاز أهمها:
1- اسم العصر نفسه، مما أوقع الناس والباحثين في وهمٍ بأنه كان عصرًا بدائيًّا لا
اسم الکتاب : الأدب الجاهلي في آثار الدارسين قديما وحديثا المؤلف : عفيف عبد الرحمن الجزء : 1 صفحة : 13