اسم الکتاب : نتائج الفكر في النحو المؤلف : السهيلي الجزء : 1 صفحة : 174
واحد منهم مكلَّم ومقصود بالكلام الذي هو اللفظ، ومن أجله احتيج إلى التعبير بالألفاظ عن الكلام الذي في نفس المتكلم فجعلت (الكاف) المبدوء بها في لفظ (الكلام) علامة إضمار التكلم، ألا تراها لا تقع علامة إضمار له إلا بعد كلام كالفعل والفاعل نحو: ضربتك، لأن الفعل والفاعل كلام، والفعل وحده دون الفاعل لا يسمى كلاماً، فلذلك لم يكن علامة المضمر " كاف " إلا بعد كلام من فعل وفاعل، أو مبتدأ وخبر، نحو: ضربتك، و: هذا غلامك.
ولم يقل في ذهبت: ذهبك، ولا في قصدت: قصدك، لأن " ذهب " ليس
بكلام إلا بعد ذكر فاعلها كما تقدم.
فإن قيل: فالمتكلم أيضاً " هو " صاحب الكلام، فهو أحق بأن تكون الكاف
المأخوذة من لفظ الكلام علامة لاسمه؟
قلنا: الكاف لفظ فهي أحق بالمخاطب، لأن الكلام لم يكن لفظا إلا من
أجله، ولولا المتكلم المخاطب ما احتيج إلى التعبير عن الكلام القائم بالنفس بعبارة ولا إشارة.
فعمدة " الكلام " الذي هو اللفظ إنما هو التكلم المخاطب، فالكاف الذي
هو جزء من لفظ الكلام أولى به.
وأما ضمير الغائب المنفصل فـ " هاء " بعدها " واو " خصت " الهاء " بذلك، لأن
الغائب لما كان مذكوراً بالقلب واستغنى عن اسمه الظاهر بتقدمه، كانت الهاء التي مخرجها من الصدر قريبا من محل الذكر، أولى بأن تكون عبارة عن المذكور بالقلب، ولم تكن " الهمزة " لأنها مجهورة شديدة، فكانت أولى بالمتكلم الذي هو أظهر، والهاء - لخفائها - أولى بالغائب، الذي هو أخفى وأبطن، ثم وصلت بالواو لأنه لفظ يرمز به إلى المخاطب، ليعلم ما في النفس من مذكور.
والرمز بالشفتين، والواو مخرجها من هناك، فخصت بذلك. ثم طردوا أصلهم من ضمير الغائب المنفرد فجعلوه في جميع أحواله " هاء "، إلا في الرفع. وإنما فعلوا ذلك لأنهم رأوا الفرق بين الحالات واقعاً باختلاف الضمير، لأنه إذا دخلت عليه حروف الجر كسرت " الهاء " لضرورة اللفظ، وانقلبت واوه ياء.
وإذا لم يدخل عليه بقي مضموماً على أصله.
اسم الکتاب : نتائج الفكر في النحو المؤلف : السهيلي الجزء : 1 صفحة : 174