اسم الکتاب : ضياء السالك إلى أوضح المسالك المؤلف : النجار، محمد عبد العزيز الجزء : 1 صفحة : 8
لقريش من ذلك كله زاد لغوي واسع، أضافته إلى لغتها الأصلية بعد أن تخيرت أعذبه جرسًا، وأخفه وقعًا، وأبلغه معنى. فأصبحت لغتها أغنى اللغات العربية، وأشملها، وأعذبها، وأقدرها على تصوير المعاني المختلفة. وتسابق الخطباء والشعراء في استعمال لغة قريش، ونقلوا كثيرا منها إلى قبائلهم، فانتشرت في الجزيرة العربية وسادت. فكان ذلك تمهيدًا وتهيئة لجو ملائم للرسالة المحمدية، ونزول القرآن الكريم بتلك اللغة المنتقاة.
3- وكان العرب في هذه الآونة، يتكلمون العربية الصحيحة بالسليقة على اختلاف قبائلهم ولهجاتهم، وكانوا قليلي الاتصال بمن حولهم من الأعاجم، فكان بين الفرس وعرب الجزيرة، والروم وعرب الشام شيء من الاتصال، يدخل بعض هؤلاء الجزيرة العربية، ويتعلمون اللغة، وينطقونها تقليدًا.
ظهور اللحن:
1- ولما جاء الإسلام وانتشر خارج الجزيرة العربية، اضطر العرب للاختلاط بغيرهم، وزاد اتصالهم بالأعاجم في سائر الأمصار، وتبادلوا معهم التجارة والمنافع؛ فأخذ الفساد يدب في تلك السليقة العربية، وظهر اللحن بين بعض العرب -علاوة على الدخلاء من الأعاجم- وساعد على ذلك أن اللغة العربية لغة مُعْربة، سرعان ما يتسرب إليها اللحن والفساد.
2- وقد ظهر اللحن في عهد الرسول -عليه السلام- فقد روي أن رجلًا لحن بحضرته، فقال: "أرشدوا أخاكم فقد ضل". ومر عمر بن الخطاب على نفر يتمرنون على رمي السهام فوجدهم لا يحسنون، فأنبهم، فقالوا له: إنا قوم متعلمين، فأفزعه ذلك وقال: والله لخطؤكم في لسانكم أشد على من خطئكم في رميكم. وروي أن كاتبًا لأبي موسى الأشعري -وكان واليًا لسيدنا عمر على البصرة- كتب رسالة على لسان أبي موسى إلى سيدنا عمر: من أبو موسى الأشعري إلى....، فلما اطلع عمر عليها كتب إلى أبي موسى: عزمت عليك لما ضربت كاتبك سوطًا.
3- وقد شاع اللحن بين أوساط الناس، وجرى على ألسنة العجم المستعربين فهال ذلك أولي الأمر، وخافوا أن يتسرب إلى القرآن الكريم والحديث الشريف، فأسرع المفكرون والعلماء إلى وضع قواعد يهتدى بها؛ لحفظ اللغة من هذا الخطر الداهم. وقد هداهم تفكيرهم إلى وضع علمي النحو واللغة.
اسم الکتاب : ضياء السالك إلى أوضح المسالك المؤلف : النجار، محمد عبد العزيز الجزء : 1 صفحة : 8