هذا ويكون تدرج المعنى بالنقل، وذلك بأن يغلب على لفظ معناه المجازي حتى يشتهر به ويُعرف بلا قرينة. وهو ما أسماه أصحاب البيان المجاز الراجح، فيدعى كسب اللفظ معناه الجديد هذا نقلاً. ومن ذلك غلبة الألفاظ الإسلامية كالصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها، على ما قُصد بها شرعاً، ومنه شهرة ألفاظ بمعانيها المستحدثة في موضوعات وعلوم وصناعات شتى، كمصطلحات النحو والصرف والوضع والمعاني والبديع والبيان والعروض والحكمة والعقائد والأصول، ومصطلح الحديث والتفسير، وسواها من مواضعات الطبيعة والفلك والعلوم الرياضية.. قال الشيخ طاهر الجزائري الدمشقي في كتابه (توجيه النظر إلى أصول الأثر) : (الاصطلاح اتفاق القوم على استعمال لفظ في معنى غير المعنى الذي وضع له في أصل اللغة. وذلك كلفظ الواجب فإنه في أصل اللغة بمعنى الثابت واللازم. وقد اصطلح الفقهاء على وضعه لما يثاب على فعله ويعاقب على تركه..) ، ثم قال: (واللفظ إذا استعمل في المعنى الذي وضعه له المصطلحون يكون حقيقة بالنسبة إليهم ومجازاً بالنسبة إلى غيرهم. قال في المفتاح: الحقيقة هي الكلمة المستعملة في معناها بالتحقيق. والحقيقة تنقسم عند العلماء إلى لغوية وشرعية وعرفية ... فقلت لغوية إن كان صاحب وضعها واضع اللغة، وقلت شرعية إن كان صاحب وضعها الشارع، ومتى لم يتعين قلت عرفية. وهذا المأخذ يعرفك أن انقسام الحقيقة إلى أكثر مما هي منقسمة إليه، غير ممتنع في نفس الأمر) .