الثاني: أن يعني الاستمرار الثبوت في الأزمنة المختلفة. وقد أشار صاحب الكليات إلى هذا حين قال:"معنى الاستمرار هو الثبوت من غير أن يعتبر معه الحدث في أحد الأزمنة ـ 5/323"، وهو الأصل فيه، إذ قال: "اسم الفاعل يستفاد منه مجرد الثبوت صريحاً بأصل وضعه ـ 5/173".
ولكن متى يدل اسم الفاعل على الثبوت أي الاستمرار في الأزمنة المختلفة؟ ...
أقول يدل اسم الفاعل على الثبوت أو الدوام أو الاستمرار في الأزمنة المختلفة، إذا أضفته إضافة محضة، أي إضافة معنوية أو حقيقية، فجرى مجرى الاسم الجامد، وقد يدل في هذه الحال أيضاً على الماضي، والقرينة تفصل بين الدلالتين.
قال الإمام البيضاوي في تفسير قوله تعالى: (فالق الإصباح وجعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً ذلك تقدير العزيز العليم (الأنعام /96". وقرئ فالق الإصباح بالنصب على المدح وجاعل الليل سكناً ونصبه بفعل دلَّ عليه جاعل لا به، فإنه في معنى الماضي ويدل عليه قراءة الكوفيين وجعل الليل"، أي وقرئ (جاعل الليل ساكناً) ، وقد نصب (سكناً) ، بفعل محذوف لدلالة جاعل على الماضي، لأن عمل اسم الفاعل ونصبه للمفعول مشروط بدلالته على الحال أو الاستقبال، دون الماضي، خلافاً للكسائي، وابن هشام وابن مضاء. ومضى الإمام البيضاوي يقول:"..... وبه على أن المراد منه جعل مستمر في الأزمنة المختلفة". أي وقرئ (وجاعل الليل سكناً) ، على أن المراد جعل الخالق الليل كذلك مستمراً على الدوام. فثبت بهذا أن إضافة اسم الفاعل الإضافة المحضة أو المعنوية الحقيقية قد تنطوي على دلالته على الماضي، كما تنطوي على دلالته على الاستمرار، والقرينة تميز إحداهما من الأخرى.