على أن تذرع الزجاجي بالمنطق في تعليل الأحكام اللغوية وتحقيقها ها هنا، ليس مما يعوّل عليه، فلهذه الأحكام معايير أخرى. والزجاجي، مع ذلك، لا يوغل في التعليل الجدلي إيغال كثير من النحاة، كابن الشجري هبة الله أبي السعادات (542هـ) ، وابن الأنباري أبي البركات كمال الدين بن عبد الرحمن (577هـ) .
*الكوفيون وأزمنة الفعل:
إذا كان البصريون قد ذهبوا في قسمة الفعل بحسب أزمنته إلى ماض ومضارع وأمر، فقد نحا الكوفيون في ذلك منحى آخر قسموا به الفعل إلى ماض ومضارع أو مستقبل، ولم يجعلوا (الأمر) قسماً ثالثاً، وإنما جعلوه فرعاً على المضارع، وتصوروا أنه مقتطع منه.
قالوا: قد دخلت على المضارع لام الأمر فقيل (لتفعل) ثم حذفت اللام وتاء المضارة لكثرة الاستعمال، فآل قولك (لتفعلْ) ، إلى قولك (افعلْ) . ولا يخفى ما في تصور الكوفييين هذا من تكلّف واضح اعتدوا فيه الاحتمال بمنزلة الحقيقة الثابتة، ولا يتساوى في المعنى قولك (افعل) وقولك (لتفعل) ، ولو كانا صيغتين للأمر.
وقد تذرّع الكوفيون بمذهبهم هذا في (الأمر) ليعللوا بذلك الوجه في إعرابه، خلافاً للبصريين الذين قالوا ببناء فعل الأمر، على الأصل، فالبناء عندهم أصل في الأفعال مالم تضارع الأسماء، والأمر لا يضارعها كما يضارع ما أسموه بفعل (المضارع) . ذلك أن النحاة قد قضوا بإعراب الأسماء وعللوا ذلك باختلاف معانيها النحوية، فإن للمعاني التي يكتسبها الاسم في التركيب دلالات تكشف عنها مواقعه فيه، فاعلة أو مفعولة أو مضافاً إليها، وليس لصور هذه الأسماء أو أبنيتها علاقة بهذه المعاني، وقد جاءت حركات الإعراب لتكشف عن المعاني النحوية هذه، ولو لم تنفرد في هذا الكشف إذ شاركتها فيه الأدوات الداخلة في التركيب، ولذا سميت هذه الأدوات بحروف المعاني.