أقول لا بد للغات عامة أن تتغاير فيعزى ما تقارب منها في أصوله إلى فصيلة واحدة، فالذي يقع فيه التغاير بين فصيلة وأخرى إنما هو القواعد والأصول الأخرى كالبنية اللغوية والاشتقاق، دون الأشكال والمفردات. فالذي ذكروه أن العربية خالفت بعض أخواتها في أداة التعريف وعلامة الجمع، كما أورده الدكتور علي عبد الواحد وافي في كتابه (فقه اللغة) والأستاذ محمد عطية الابراشي في كتابه (الآداب السامية) ، ولكنها لم تخالفها في البنية اللغوية وطريقة الاشتقاق، كاعتمادها على الحروف الصامتة دون الصوتية، ورد الكلم إلى أصل ثلاثي، ووحدة الأصل في بنيتها وعدم تعدده كما يتعدد في اللغات الآرية. قال الدكتور علي عبد الواحد وافي في كتابه (علم اللغة/ 133) : "وقد اعتمدنا في التفرقة بين هاتين الفصليتين- أي السامية والآرية- على أمور تتصل بالقواعد لا بالمفردات، وذلك لأن ناحية القواعد هي أهم ما تمتاز به الفصائل بعضها عن بعض، فمنها تتكون شخصية اللغات وإليها ترجع مقوماتها، وهي التي تمثل المظهر الثابت المستقر في اللغات، فهي لا تكاد تتغير.. فتشابه لغتين في القواعد يدل إذن على انتمائهما إلى فصيلة واحدة، واختلافهما فيها يدل على اختلاف فصيلتيهما..".
فإذا استقر الأمر على ما بيناه، صح معه أن مغايرة العربية لأخواتها السامية إنما كانت في الأشكال والفروع، لا في القواعد والأصول، واعتماد اللغات السامية في اشتقاقها على الفعل، إنما هو من هذه القواعد والأصول.
هذا ما رأينا أن نعرض له من مذاهب النحاة وآرائهم في مصادر الأفعال والكشف عن دلالاتها وطرائق جمعها وصوغها وقياسها واشتقاقها وأعمالها، فيما صدقت نيات الأوائل في تحري صوابه وابتغاء حقائقه بأفصح لسان وأبلغ بيان.
وقد استعنا في البحث بما استقر في هذا الباب من ضوابط وقواعد، ليقطع في الأمر برأي لا يعوزه تدبر، ويقين لا خفاء به ولا ارتياب، هذا وجه مطلبه والوقوع عليه.