أقول على ذلك جرى الأوائل من النحاة. فقد أشار ابن جني (ت 392هـ) في الخصائص (1/23) إلى أن الكلام هو موضوع الحدث حين قال: "وذلك أن الكلام اسم من كلَّم بمنزلة السلام من سلَّم، وهما بمعنى التكليم والتسليم، وهما المصدران الجاريان على كلَّم وسلَّم". فما دام الكلام كالتكليم من حيث معناه فإنه اسم للحدث. كما أنه أشار إلى أنه اسم عين حين قال (1/30) : "إن الكلام إنما هو في لغة العرب عبارة عن الألفاظ القائمة برؤوسها المستغنية عن غيرها وهي التي يسميها، أهل هذه الصناعة، الجمل على اختلاف تركيبها". وهكذا فعل أبو محمد عبد الله الخفاجي (ت 466هـ) في سر الفصاحة. فقد نبه أن (الكلام) اسم للحدث حين قال (24) : "الكلام اسم عام يقع على القليل والكثير، وذكر السيرافي أنه مصدر، والصحيح أنه اسم مصدر، والمصدر التكليم، قال الله تعالى: (وكلم الله موسى تكليماً (. فما دام الكلام اسماً للتكليم فهو اسم للحدث، كما نبه على أنه اسم عين حين قال (41) : "الكلام هو الصوت الواقع على بعض الوجوه".
الأسماء المصدرية:
ويخرج عن المصدر واسمه أسماء مصدرية أشبهت المصادر بجريانها على أحرف الفعل لفظاً، وخالفت المصادر وأسماءها بخلوها من الحدث معنى. وذكروا من ذلك الطهور بفتح أوله وهو اسم لما يُتطهر به، والوضوء بالفتح للماء يُتوضأ به، وكذلك الوقود والولوع والقبول بالفتح، وبالضم المصدر. وقال آخرون الطهور والوضوء بالفتح اسمان ومصدران كالوقود والولوع والقبول بالفتح، فإذا كانا بالضم فهما مصدران البتة (الكامل للمبرد- 2/77، وأمالي المرتضى- 1/397، والنهاية لابن الأثير- مادة طهر، والمصباح- مادة وضؤ) .
وجاء (الغسل) بالضم لما يُغسل به، وهو بالفتح مصدر، قال آخرون الغسل بالضم اسم ومصدر، فإذا كان بالفتح فهو المصدر البتة (الصحاح والأفعال لابن القوطية والمصباح) .