نهج الكسائي حدود المذهب الكوفي في التعويل على النقل خلافاً للبصرية في اعتمادها على النظر العقلي لكنه لم يهمل القياس على كل حال. وشايع الفراء الكسائي فيما استن من أصول فاستمسك بالرواية وأبى للنحوي أن ينهج نهج المتكلمين والمناطقة المتفلسفين. وكان القرآن مادته الأولى في روايته فبدا في تفسيره ألصق ما يكون بواقع اللغة أميناً على خصوصها وطبيعتها، وقد تجلى ذلك في كتابه الأول (معاني القرآن) إذ نهج فيه نهجاً جديداً نأى به عن الغيبيات ونكَّب عن اعتماد أي تقدير أو تأويل يضيق النص عن احتماله. ولا يعني هذا أن الفراء لم يُعن بتعليل أو قياس، فالذي أباه هو القياس على الشاهد الواحد، ونكب عن الأخذ بالقراءات الشاذة مخالفاً في ذلك من تقدمه من الكوفيين ووافق في ذلك البصريين.
وجاء ثعلب أبو العباس أحمد بن يحيى (200-291هـ) فأقبل على كتب الفراء يقف على أغراضها ويحصي مسائلها ويوغل في بحثها. وما لبث أن يمم نهج الفراء مردداً لأقواله محتجاً بآرائه مخلصاً لنهجه، غير عابئ بالتعليل. وكان يقول (طلبتُ العربية واللغة في سنة ست عشرة ومائتين، وابتدأت بالنظر في حدود الفراء وسني ثماني عشرة سنة وبلغت خمساً وعشرين ولم يبق شيء من كتب الفراء في هذا الوقت إلا قد حفظته) . وقد تلمذ ثعلب لسلمة بن عاصم الضبي وكان هذا قد حضر مجلس الفراء وأعجب به أيما إعجاب فأغرى به ثعلباً، وكان سلمة يقول: "لولا الفراء لما كانت اللغة لأنه حصلها وضبطها، ولولا الفراء لسقطت العربية لأنها كانت تتنازع، ويدّعيها كل من أراد، ويتكلم الناس على مقادير عقولهم وقرائحهم فتذهب" ولم يعرف عن ثعلب أنه حاول فلسفة اللغة أو منطقة النحو، كما حاول البصريون وخصمه منهم، وهو المبرد. ويعزى إلى ثعلب الفضل في إشاعة المذهب الكوفي والتبشير به، كما يُعزى إلى المبرد دعوته إلى البصرية وبراعته في الإغراء بها.
الآخذون بما رجح لديهم من أصول البصرية والكوفية ومسائلهما