ويستنبط مما تقدم أن (المفاعلة) هو المصدر القياسي لفاعَلَ. وإذا عرفنا أن مصدر غير الثلاثي مشتق من الماضي باتفاق البصريين والكوفيين، فالمشتق من الشيء بالاشتقاق الصغير يشتق إما بزيادة الحركة أو الحرف، فمصدر (فاعل) مشتق من ماضيه بزيادة الميم في الأول، لتقارب الميم والفاء مخرجاً، كما يقول النحاة، وبزيادة التاء في الآخر لشيوعها في كثير من المصادر كعدة واستقامة.
ولكن ما الذي تعنيه المفاعلة؟
الذي تعنيه (المفاعلة) غالباً، كما قرره النحاة، هو (المشاركة) ، ولكن ما الذي تعنيه هذه المشاركة؟ أقول ذكر الإمام الرضي في شرح الشافية أمثلة مختلفة للمفاعلة التي تعني المشاركة منها أن تكون المفاعلة للمشاركة فعلاً وهو يريد بالمشاركة هنا أن يقع التشارك بين اثنين، بحيث يوقع أحدهما بالآخر فعلاً فيقابله هذا بمثل هذا الفعل، كقولك (ضارب زيد عمراً) أو شاتمه أو قاتله. وقد اشترط لذلك أن يكون (المفاعل) بفتح العين، أي الذي شورك في الضرب وهو (عمرو) هو المفعول في أصل الفعل الثلاثي من قولك (ضرب زيد عمراً) فيكون الفعل قد اكتفى بعد تحوله إلى صيغة (فاعلَ) بأن أفاد المشاركة على الوجه المذكور، ولم يتجاوز في تعديه المفعول الواحد الذي كان يتعدى إليه.
ومثل ضاربت فلاناً شافهته وفاوهته وخاطبته وواجهته وفاوضته وباثثته وذاكرته وثافنته وقاولته..