أصارهم إلى هذا أن العرب قد عدلت بـ (الحكم) عن مصدريته (عن حدثه أو جنسه) أو عنهما جميعاً، فجمعته على (أحكام) حين عنت به (ما يُشرع أو يسن أو يحكم به) فارتضوا ذلك وأقروه. فقد جاء في نهج البلاغة (2 / 77) : (وبين الأحكام المفصولة) . وجاء فيه (3 / 47) : (وشرائع الإسلام وأحكامه) . وقال صاحب المصباح (وفرض الله الأحكام فرضاً أوجبها) .
وامتنع المجمعيون في المجمع القاهري من جمع (البيان) حين اعتقدوا أن العرب لم تجمعه. وهي لم تجمعه فعلاً لأنها لم تحتج إلى الخروج به عن مصدريته إذ لم تلجئها إليه حاجة في التعبير.
ومن الحق أن يقيسوا جمع (البيان) على (الحكم) كما فعل الأئمة في جمع استعمال واختراع واحتمال واعتقاد واحتجاج، على استعمالات واختراعات واحتمالات واعتقادات واحتجاجات، إلى آخر ما جمعوه على مثال هذا الجمع مما ذكرناه. وهذا (البلاغ) كالبيان. وقد جمعه الإمام عبد الرحمن ابن عيسى الهمذاني (المتوفى 322 هـ) صاحب الألفاظ الكتابية في مقدمة كتابه هذا، إذ قال في مقدمته: (وانضاف إلى ذلك قوة من الصواب وصفاء من الطبع ومادة من الأدب، وعلم بطرق البلاغات، ومعرفة رسوم الرسائل..) . بل رأيت الجاحظ قد جمعه في بعض كتبه (كتاب حجج النبوة) إذ قال (والناس موكلون بالخطابات مولعون بالبلاغات) وجاء في الصحاح (والبلاغات كالوشايات) والوشاية ما أبلغ إلى السلطان من حديث الناس، سعياً بها، ولم يخص الجاحظ أو الهمذاني البلاغ بهذا المعنى. ولا ننس أن البلاغ اسم من التبليغ كالبيان اسم من التبين، ففي الصحاح (وكذلك التبليغ والاسم منه البلاغ) . ويردان مصدرين أيضاً.
وقد جمع العرب (القضاء) على أقضية كما جمعوا (الحكم) على أحكام، وكلاهما في الأصل مصدر. والقضاء لغة: الحكم كما في المصباح والنهاية وتعريفات الجرجاني. وقد جمعوه على أقضية حين عدلوا به عن مصدريته. قال صاحب الأساس (وعدل في قضائه وقضيته وأقضيته، وقضاء الله ترد له أقضية) .