فكلام الأئمة مثلاً على أن مصدر الوحدة ومصدر الهيئة يثنيان ويجمعان. وأنت إذا قلت (جلت جولة) و (مشيت مشية الفزع) لم تر في (الجولة والمِشية) ما يدل على جنس الفعل عامة بعد أن حُد بالوحدة أو خُص بالهيئة، ولو دلّ على الحدثَ. فلا شذوذ على هذا في اطراد جمعهما. قال ابن جني (فنظير القومة الواحدة من القيام، الجملة الواحدة من الكلام، وهذا جليّ) .
وكلام الأئمة على أن (العقول والألباب والحلوم والعلوم والظنون) مصادر قد جمعت لاختلاف الأنواع. وهي على التحقيق أسماء ليس لها من مصدريتها إلا اللفظ. ذلك أنه قال عُدل بها عما للمصدر من دلالة على جنس الفعل وحدثه المتعلق بالفاعل. قال صاحب المصباح (ثم أطلق العقل الذي هو مصدر على الحجا واللب) . وقال صاحب المفردات (والعقل يقال للقوة المتهيئة لقبول العلم) .
وقال ابن القوطية: (ولبَّ لُباً ولبابة: عقل) . فدل هذا على أن (اللبَّ) في الأصل مصدر. وقال صاحب المفردات (اللب العقل الخالص من الشوائب، سمي بذلك لكونه خالص ما في الإنسان من معانيه كاللباب واللب من الشيء) . فدل هذا على أن (اللب) قد حيد به عن مصدريته إلى مجرد الاسمية.
وقال ابن القوطية: (حلمُ حلماً عَقَل) . وقال ابن منظور (الحلمِ بالكسر الأناة والعقل وجمعه أحلام وحلوم) .