الثاني: إن (المأيمة) بفتح فسكون ففتح، من مفعلة السبب. ففي الأساس (الحرب مأيمة ميتمة) أي تؤول بالنساء إلى أن يصبحن أيامى، والأولاد يتامى. وقد أشار الشيخ إلى هذا في موضع آخر. وفي المخصص لابن سيده (16/174) : (أبو عبيد: في الحديث الولد مجبنة مجهلة مبخلة. والحرب مأيمة وميتمة) أي يقتل فيها الرجال فتئيم النساء، ويُتيم الأولاد.
الثالث: جاء في القاموس والصحاح أن المشيخة بإسكان الشين من جموع الشيخ. وفي المصباح (والمشيخة اسم جمع للشيخ وجمعها مشايخ) . وقد ورد في الأساس والقاموس بالإعلال بكسر الشين، وبالتصحيح بإسكانها. فالمشيخة بفتح الياء مفعلة جاءت على التصحيح فما سرّ تصحيحها؟
قال الشيخ في موضع آخر (وقد استفيد من صنيع القاموس أنه يصح في المشيخة اعتباران: كونها من مفعلة السبب، أي الفعل أو الصفة التي توصل إلى الشيخية، فتكون بفتح العين، وكونها من مفعلة التأثر والانفعال كما يجيء فتكون بكسر العين) . فهو قد علل تصحيح المشيخة المفتوحة الياء بأنها مفعلة السبب. أقول لو صحّ هذا لقيل مثلاً (المصائب مشيخة) أي تؤول بصاحبها إلى الشيخوخة، كما قيل (كثرة الأكل منومة) بفتح الواو، أي تؤول بالأكل إلى النوم وتحمل عليه. ولم يسمع المشيخة بهذا المعنى. وإنما قيل (هم مشيخة) أي شيوخ فأين هذا المعنى من ذاك. فعلة تصحيح المشيخة بفتح الياء أنها اسم لم يبنَ على فعل كمصدر أو اسم مكان، وكل اسم على هذا جاز فيه التصحيح.
أما تخريج قولهم (هم مشيخة) وليست مشيخة من الجموع في الأصل، فقد يكون (هم أهل مشيخة) والحذف هاهنا مجاز. فالمشيخة اسم من الشيخوخة. وأما قولهم (هم ميتمة) والميتمة كما مر مفعلة للسبب، فيمكن أن يكون مجازاً أيضاً، لذكر السبب وهو الميتمة وإرادة المسبب، بفتح الباء المشددة الأولى، وهو (الأيتام) ، كما في قولك: رعينا غيثاً: أي نباتاً سببه الغيث.