وجاء الأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة (215هـ) ، وقد ارتحل إلى بغداد فأدناه الكسائي من مجلسه وعهد إليه بتأديب أولاده. وقد اختلفت آراء الأئمة في الأخفش الأوسط وتفرقت كلمتهم بل تضاربت مذاهبهم، لكن من الثابت أنه خالف البصرية في مسائل كثيرة ووافق الكوفية في شيء من الأصول كالاعتداد بالقراءات الشاذة والقياس على القليل فامتدحه الكوفية حتى اعتده بعضهم سيد علماء العربية. ولا شك أنه كان من كبار الحفاظ النقلة، ولو كان يتكسَّب بعلمه.
وجاء قطرب محمد بن أحمد (206هـ) فاشتهر بكتابه (العلل في النحو) كما اشتهر بكتبه (الاشتقاق والأضداد ومعاني القرآن) ، وقد أخذ النحو عن سيبويه. ثم جاء المازني أبو عثمان (248هـ) واشتهر بكتابيه (علل النحو والتصريف) وكان يتخذ المذهب البصري وفتي به. قال: "دخلت بغداد فأُلقِيَت علي مسائل فكنت أجيب فيها على مذهبي ويخطئوني على مذاهبهم" أي الكوفيون.
واستمر منهج النحو قائماً على النظر العقلي والاستدلال الذهني في المذهب البصري، على يد الإمام المبرد أبي العباس بن أبي يزيد (285هـ) لكنه غلا في التعليل والقياس بل نحا بهما نحو المنطق والفلسفة، على أنه لم يغادر ما كان عليه الأوائل من مراعاة المعنى. وقد أكثر الانتقال إلى بغداد، قاعدة الخلافة، من البصرة، فازدحم فيها مجلسه وعقدت بينه وبين ثعلب الإمام الكوفي مناظرات بدا فيها صاحب منطق وجدل، إلى بيان وإحاطة بكتاب سيبويه، ولو خالفه في مسائل كثيرة، وإلى حذق في فنون الأدب. وقد ألف (المقتضب والكامل) واعتد كتاب (الكامل) أحد كتب الأدب الرئيسة إلى جانب أدب الكاتب لابن قتيبة والبيان والتبيين للجاحظ والنوادر لأبي علي القالي البغدادي.