غير أن الأمر تجاوز هذا التصور المحدود، وأقبلت جموع الشباب المتخصص على هذه التركة الجليلة من أسفار التراث العربي الإسلامي، بعلومه المتنوعة، وفنونه المتشعبة، تنتخب من أصداغها الدرر الثمينة وتنشرها على العالم باهرة متقدمة، لتكون الأساس المتين الذي يرتفع عليه بناء الأمة المجيد وحضارتها التليدة المتجددة.
وقد نهضت أقسام الدراسات العليا ورسائلها لنيل الدرجات العلمية بقسط وافر من هذه المهمة الدقيقة الشاقة ... غير أن الذين أقدموا على هذا العمل من غير هذه الفئة كثيرون، يحدوهم إلى هذا إيمان صادق بجلال الطريق وسمو المقصد ... فجعلوا التوغل في شعاب التحقيق شغلهم في أوقات الراحة، وراحتهم عند الكلال والعناء ... فهم يستعذبون من هذا العناء ما تسمو به هممهم وعقولهم، وتنتشي بالإسهام به مشاعرهم وأرواحهم إذ يقدّمون إلى الأجيال الصاعدة جرعة سائغة من جهود أجيال البناء السالفين.
وممن يعدّ في هؤلاء العاملين المخلصين؛ محقق هذا الأثر النفيس عبد الله الجاجة بعد تخرجه في قسم اللغة العربية بجامعة حلب؛ فقد هداه ميله الغلاب إلى النحو والصرف إلى اختيار مخطوط «العمدة في إعراب البردة» .
وما الإعراب سوى شرح للمعنى بمصطلحات نحوية، بل إنه تتبع للطائف المعاني متوسلا بشعاع الإعراب النحوي.
أما المتن محور عناية الإعراب؛ فهو أثر شعري باهر من تراث القرن السابع الهجري، إنه بردة البوصيري ذات الشهرة الذائعة والمعارضات الكثيرة عبر العصور، حتى لم يخل عصر من إمام يعارض قصيدة البردة هذه ...
فالأثر نفيس في متنه، وشرحه، ومعارضاته وإعرابه.
وأما صاحب الإعراب؛ فالراجح أنه أحد أبرز أعلام القرن الثامن أو التاسع الهجري، ولا يضيره أن يسقط اسمه من يد الزمان فقد عوّض من ذلك هذا