اسم الکتاب : الخصائص المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 290
وعلى الجملة فكل ما حذف تخفيفًا فلا يجوز توكيده لتدافع حاليه به من حيث[1] التوكيد للإسهاب والإطناب والحذف للاختصار والإيجاز. فاعرف ذلك مذهبًا للعرب.
ومما يدلك على صحة ذلك قول العرب -فيما رويناه عن محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى: "راكب الناقة طليحان " كذا رويناه هكذا وهو يحتمل[2] عندي وجهين:
أحدهما ما نحن عليه من الحذف فكأنه قال: راكب الناقة والناقة طليحان فحذف المعطوف لأمرين: أحدهما تقدم ذكر الناقة والشيء إذا تقدم ذكره دل[3] على ما هو مثله. ومثله من حذف المعطوف قول الله عز وجل: {فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} أي فضرب فانفجرت. فحذف " فضرب " لأنه معطوف على قوله: "فقلنا ". وكذلك قول التغلبي 4:
إذا ما الماء خالطها سخينا5
أي شربنا[6] فسخينا. فكذلك قوله: راكب الناقة طليحان أي راكب الناقة والناقة طليحان.
فإن قلت: فهلا كان التقدير على حذف المعطوف عليه أي الناقة وراكب الناقة طليحان قيل يبعد ذلك من وجهين: [1] كذا في الأصول. والأحسن في التعبير: من حيث إن. [2] انظر في تخريجه أيضًا التصريح على التوضيح، والأشموني في آخر مباحث عطف النسق. [3] كذا في أ. وسقط هذا في ش، ب.
4 يريد عمرو بن كلثوم صاحب المعلقة التي أولها:
ألا هبي بصحنك فاصبحينا ... ولا تبقي خمور الأندرينا
5 صدره في وصف الخمر:
مشعشعة كأن الحص فيها [6] هذا وجه في فهم البيت، ويرى بعضهم أن "سخينا" وصف من السخونة وهو حال من الضمير في خالطها، وذلك مزج الخمر بالماء الساخن.
اسم الکتاب : الخصائص المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 290