اسم الکتاب : الخصائص المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 221
وقال المولد 1:
وحديثها السحر الحلال لو أنه ... لم يجن قتل المسلم المتحرز
الأبيات الثلاثة. فإذا كان قدر الحديث -مرسلا- عندهم هذا, على ما ترى فكيف به إذا قيده بقوله "بأطراف الأحاديث ". وذلك أن قوله[2]: "أطراف الأحاديث " وحيًا خفيًّا ورمزًا حلوًا ألا ترى أنه يريد بأطرافها ما يتعاطاه المحبون ويتفاوضه[3] ذوو الصبابة المتيمون من التعريض والتلويح والإيماء دون التصريح وذلك أحلى وأدمث وأغزل وأنسب من أن يكون مشافهة وكشفًا, ومصارحة وجهرًا وإذا كان كذلك فمعنى هذين البيتين أعلى عندهم وأشد تقدمًا في نفوسهم من لفظهما وإن عذب موقعه وأنق له مستمعه.
نعم، وفي قوله:
وسالت بأعناق المطي الأباطح
من الفصاحة ما لا خفاء به. والأمر في هذا أسير، وأعرف وأشهر.
فكأن العرب إنما تحلى ألفاظها وتدبجها وتشيها وتزخرفها عناية بالمعاني التي وراءها وتوصلا بها إلى إدراك مطالبها وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إن من الشعر لحكمًا وإن من البيان لسحرًا" [4]. فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتقد هذا في ألفاظ هؤلاء القوم التي جعلت مصايد وأشراكًا للقلوب وسببًا وسلمًا إلى تحصيل المطلوب عرف بذلك أن الألفاظ خدم للمعاني والمخدوم -لا شك- أشرف من الخادم.
1 هو ابن الرومي والبيت في ديوانه ص1164. وانظر ص30 من هذا الجزء. [2] كذا في ش، ب. وفي أ، ج: "ذكره". [3] كذا في ش، ج. وفي أ، ب: "يتقارضه". [4] رواه أحمد في مسنده، وأبو داود. قال شارح الجامع الصغير: وإسناده صحيح. انظر هذا الكتاب. وقوله "حكما" يضبط كقفل مصدرا، وكعنب جمع حكمة.
اسم الکتاب : الخصائص المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 221