اسم الکتاب : الخصائص المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 185
باب في ارد على من اعتقد فساد علل النحويين لضعفه هو نفسه عن أحكام العلة
...
باب في الرد على من اعتقد فساد علل النحويين لضعفه هو في نفسه عن إحكام العلة:
اعلم أن هذا الموضع هو الذي يتعسف بأكثر من ترى. وذلك أنه لا يعرف أغراض القوم فيرى لذلك أن ما أوردوه من العلة ضعيف واه ساقط غير متعال.
وهذا كقولهم: يقول النحويون إن الفاعل رفع والمفعول به نصب وقد ترى الأمر بضد ذلك ألا ترانا نقول: ضرب زيد فنرفعه وإن كان مفعولا به, ونقول: إن زيدًا قام فننصبه وإن كان فاعلًا ونقول: عجبت من قيام زيد فنجره وإن كان فاعلًا ونقول أيضًا: قد قال الله عز وجل {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ} فرفع "حيث " وإن كان بعد حرف الخفض. ومثله عندهم في الشناعة قوله -عز وجل: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} وما يجري هذا المجرى.
ومثل هذا يتعب مع هذه الطائفة لا سيما إذا كان السائل "عنه"[1] من يلزم الصبر عليه. ولو بدأ الأمر بإحكام الأصل لسقط عنه هذا الهوس وذا اللغو ألا ترى أنه لو عرف أن الفاعل عند أهل العربية ليس كل من كان فاعلًا في المعنى وأن الفاعل عندهم إنما هو كل اسم ذكرته بعد الفعل وأسندت ونسبت ذلك الفعل إلى ذلك الاسم وأن الفعل الواجب وغير الواجب في ذلك سواء لسقط صداع[2] هذا المضعوف السؤال.
وكذلك القول على المفعول أنه إنما ينصب[3] إذا أسند الفعل إلى الفاعل فجاء هو فضلة وكذلك لو[4] عرف أن الضمة في نحو حيث وقبل وبعد ليست إعرابًا وإنما هي بناء.
وإنما ذكرت هذا الظاهر الواضح ليقع الاحتياط في المشكل الغامض. وكذلك ما يحكى عن الجاحظ من أنه قال: قال النحويون: إن أفعل الذي[5] مؤنثه فُعلى لا يجتمع فيه الألف واللام ومن وإنما هو بمن أو بالألف واللام؛ نحو قولك: الأفضل وأفضل منك, والأحسن وأحسن من جعفر, ثم قال: وقد قال الأعشى:
فلست بالأكثر منهم حصى ... وإنما العزة للكاثر6
ورحم الله أبا عثمان أما إنه لو علم أن "من " في هذا البيت ليست التي تصحب أفعل للمبالغة نحو أحسن منك وأكرم منك، لضرب عن هذا القول إلى غيره مما يعلو فيه قوله ويعنو لسداده وصحته خصمه. وذلك أن "من " في بيت الأعشى إنما هي كالتي في قولنا: أنت من الناس حر وهذا الفرس من الخيل كريم. فكأنه قال: لست من بينهم بالكثير الحصى ولست فيهم بالأكثر حصى. فاعرف ذلك. [1] زيادة في أ، ج. [2] كذا في أ. ويوافقه ما في ج: "لسقط صداعه". وفي ش، ب: "سؤال". [3] كذا في ش، ب. وفي أ: "انتصب". [4] كذا في أ. وفي ش، ب: "أو" وما أثبت هو الصواب. [5] يريد أفعل التفضيل، احترازًا عن أفعل الذي مؤنثه فعلاء. فهو صفة مشبهة.
6 هذا البيت هو السابع والعشرون من قصيدته التي مطلعها:
شافك من قتله أطلالها ... بالشط فالوتر إلى حاجر
وانظر الصبح المنير 104-108، والخزانة [3]/ 489.
قياسًا وسماعًا كأنه أصل للحر في "هذا الحسن الوجه " وسنأتي على بقية هذا الموضع في باب نفرده له[1] بإذن الله.
لكن ما أجازه أبو العباس وذهب إليه في باب ضربن وضربت من تسكين اللام لحركة الضمير, وتحريك الضمير لسكون اللام شنيع الظاهر, والعذر فيه أضعف منه في مسئلة الكتاب ألا ترى أن الشيء لا يكون علة نفسه وإذا لم يكن كذلك كان من أن يكون علة علته أبعد وليس كذلك قول سيبويه وذلك أن الفروع إذا تمكنت " قويت قوة تسوغ"[3] حمل الأصول عليها. وذلك لإرادتهم تثبيت الفرع والشهادة له بقوة الحكم. [1] كذا في أ. وسقط هذا اللفظ في ش، ب. [2] كذا في أ. وفي ش، ب: "أوضح" وما أثبت هو الصواب. [3] كذا في أ. وفي بقية الأصول: "وقويت قوة تسرع".
اسم الکتاب : الخصائص المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 185