اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات الجزء : 1 صفحة : 93
ولو كان الأمر كما زعمتم لوجب أن يحكم لنام بالاسمية؛ لدخول الباء عليه، وإذا لم يجز أن يحكم به بالاسمية لتقدير الحكاية فكذلك ههنا لا يجوز أن يحكم لنعم وبئس بالاسمية لدخول حرف الجر عليهما لتقدير الحكاية، والتقدير في قولك:
[50]
ألست بنعم الجار يؤلف بيته
ألست بجارٍ مقولٍ فيه نعم الجار، وكذلك التقدير في قول بعض العرب "نعم السير على بئس العير" "نعم السير على عَيْرٍ مقول فيه بئس العير" وكذلك التقدير في قول الآخر "والله ما هي بنعم المولودة" والله ما هي بمولودة مقول فيها نعم المولودة، وكذلك أيضًا التقدير في البيت الذي ذكرناه "والله ما ليلي بليل مقول فيه نام صاحبه" إلا أنهم حذفوا منها الموصوف وأقاموا الصفة مُقَامة. كقوله تعالى: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} [سبأ: 11] أي دُرُوعًا سابغات، وكقوله تعالى: {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5] أي المِلَّة القيمة؛ فصار التقدير فيها ألست بمقول فيها نعم الجار، ونعم السير على مقول فيه بئس العير، وما هي بمقول فيها نعم المولودة، وما ليلى بمقول فيه نام صاحبه، ثم حذفوا الصفة التي هي "مقول" وأقاموا المحكيَّ بها مُقَامَهَا، لأن القول يحذف كثيرًا كما يذكر كثيرًا، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] أي
= حرف الجر عليهما، ووجه الأبطال أنه لا يلزم من دخول حرف الجر في اللفظ على كلمة ما أن تكون هذه الكلمة اسمًا؛ لأن حرف الجر قد يدخل في اللفظ على كلمة قد اتفقنا على أنها فعل مثل نام في هذا البيت. وهذا الذي ذكرناه وذكره مؤلف الكتاب في هذا البيت أحد رأيين للعلماء في هذا الشاهد، والرأي الآخر حكاه ابن منظور، وخلاصته أن "نام" ليس فعلًا باقيًا على فعليته، ولكنه صار مع ما بعده علمًا، فهو من باب الأعلام المحكية عن الجمل، وأنت خبير أن الأعلام المحكية عن الجمل تدخل عليها عوامل الأسماء، ويجوز أن تضاف إليها الأسماء كما قال الشاعر:
كذبتم وبيت الله لا تنكحونها ... بني شاب قرناها تصر وتحلب
فقول الشاعر هنا "نام صاحبه" مثل قول الشاعر "شاب قرناها" وهذا التخريج إنما ذهب إليه من روى في بيت الشاهد:
والله ما زيد بنام صاحبه
فكأنه قال: ما زيد بهذا الرجل المسمى نام صاحبه، إلا أن قوله بعد ذلك "ولا مخالط الليان" لا يلتئم مع الكلام السابق، على هذا التخريج، فإنه يسأل: على م يعطف قوله "ولا مخالط الليان"؟ فإنه لا يجوز حينئذ أن يعطف على "نام صاحبه" لكونه في هذه الحالة ليس صفة، إلا إذا لحظت معناه الأول قبل أن يصير علمًا، ولهذا استبعد جماعة من العلماء أن يكون "نام صاحبه" في هذا البيت علمًا.
اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات الجزء : 1 صفحة : 93