اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات الجزء : 1 صفحة : 333
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم "إن هذه اللام ليست لام الابتداء، لأن الابتداءَ يوجب الرفع، وهذه اللام يجوز أن يليها المفعول الذي يجب له النصب، نحو قولهم "لطَعَامَكَ زيدٌ آكلٌ" قلنا: الأصل في اللام ههنا أن تدخل على زيد الذي هو المبتدأ، وإنما دخلت على المفعول الذي هو معمول الخبر لأنه لما قُدِّمَ في صدر الكلام وقع موقع المبتدأ؛ فجاز دخول اللام عليه؛ لأن الأصل في هذه اللام أن تدخل على المبتدأ، فإذا وقع المفعول موقعه جاز أن تدخل هذه اللام عليه كما تدخل على المبتدأ، وإذا جاز دخول هذه اللام على معمول الخبر إذا وقع موقعه، كقولك "إن زيدًا لَطَعَامَكَ آكلٌ" وكقول الشاعر:
[260]
إنَّ امْرَأَ خَصَّنِي عمدًا مودَّتَهُ ... على التَّنَائِي لَعِنْدِي غَيْرُ مَكْفُورِ
وإن كان الأصل فيها أن تدخل -بعد نقلها عن الاسم- على الخبر لا على معموله؛ لوقوعه موقعه[1]، فكذلك يجوز دخول هذه اللام على المفعول إذا وقع موقع المبتدأ، وإن كان الأصل فيها أن تدخل على المبتدأ؛ لوقوعه موقعه، والله أعلم.
=
إن ما قل منك يكثر عندي ... وكثير ممن يحب القليل
وموطن الاستشهاد بالبيت قوله "وكلا ليس منك قليل" فإن المؤلف قد ذهب إلى أن "كلا" في هذه العبارة بمعنى حقا، وهذا شيء قاله الكسائي ومتابعوه، فأما سيبويه والخليل والمُبَرِّد والزجاج وأكثر البصريين فقالوا: إن كلا حرف معناه الردع والزجر، لا معنى له عندهم إلا ذلك، وقال الكسائي: قد يخرج "كلا" عن الردع والزجر فيكون بمعنى حقًّا وقال أبو حاتم ومتابعوه: قد يخرج كلا عن معنى الردع والزجر فيكون بمعنى "ألا" الاستفتاحية، وقال النضر بن شميل والفراء ومن تابعهما: قد يخرج كلا عن معنى الردع والزجر فيكون حرف جواب بمعنى إي ونعم، وحمل هؤلاء على ذلك قول الله تعالى: {كَلَّا وَالْقَمَر} فقالوا: المراد -والله أعلم- إي والقمر.
[260] هذا البيت من كلام أبي زبيد الطائي من كلمة يمدح فيها الوليد بن عقبة، ويصف نعمة أنعمها عليه مع بعده وتنائيه عنه، وهو من شواهد سيبويه "[1]/ 281" وابن هشام في مغني اللبيب "رقم 925" وقوله "خصني مودته" أراد أن يقول: خصني بمودته، فحذف حرف الجر، وأوصل الفعل إلى المجرور بنفسه فنصبه، والمكفور: اسم المفعول من قولهم "كفر فلان النعمة" إذا جحدها ولم يقم بحقها من الشكر، ومحل الاستشهاد في هذا البيت قوله "لعندي غير مكفور" حيث أدخل لام الابتداء على الظرف ولم يدخلها على خبر إن، وأصلها أن تدخل على خبر إن أو اسمها المتأخر عن خبرها، فأصل الكلام هنا: لغير مكفور عندي. [1] قوله: "لوقوعه موقعه" تعليل لقوله: "جاز دخول هذه اللام على معمول الخبر" ونبّهنا على ذلك لتباعد ما بينهما بما وقع اعتراضًا.
اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات الجزء : 1 صفحة : 333