اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات الجزء : 1 صفحة : 303
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنه مبنيٌّ على الفتح لأن الأصل في قولك "لا رجل في الدار؟ " لا مِنْ رجل في الدار؛ لأنه جواب من قال "هل من رجل في الدار؟ " فلما حذفت "من" من اللفظ وركبت مع لا تضمنت معنى الحرف فوجب أن تُبْنَى، وإنما بنيت على حركة لأن لها حالة تمكنٍ قبل البناء، وبنيت على الفتح لأنه أخفّ الحركات.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم "إنما قلنا إنه منصوب بلا؛ لأنها اكتفي بها عن الفعل" قلنا: هذا مجرد دعوى يفتقر إلى دليل؛ ثم لو كان كما زعمتم لوجب أن يكون منوّنًا.
قولهم "حذف التنوين بناء على الإضافة" قلنا: لو كان هذا صحيحًا لوجب أن يطرد في كل ما يجوز إضافته من الأسماء المفردة المنونة، فلما قلتم إنه يختص بهذا الموضع دون سائر المواضع دلَّ على فساد ما ذهبتم إليه.
وأما قولهم "إنَّ لا تكون بمعنى غير، فلما جاءت بمعنى ليس منصوبًا بها ليخرجوها من معنى غير" قلنا: ولِمَ إذا كانت بمعنى ليس ينبغي أن يُنْصَب به؟ وهلّا رفعوا بها على القياس؛ فإنهم يرفعون بها إذا كانت بمعنى ليس، قال الشاعر:
[230]
من صَدَّ عن نِيرَانِهَا ... فأنا ابنُ قَيْسٍ لا بَرَاحُ
[230] هذا البيت من كلام سعد بن مالك القيسي، وهو من شواهد سيبويه "1/ 28 و354" وشرح الرضي على الكافية في باب ما ولا المشبهين بليس، وشرحه البغدادي في الخزانة "1/ 223" والزمخشري في المفصل "رقم 24 بتحقيقنا" وشرح ابن يعيش "ص134" والأشموني "رقم 225" وأوضح المسالك "رقم 107" ومغني اللبيب "رقم 396" وصد: أي أعرض، والضمير في "نيرانها" يعود إلى الحرب التي ذكرها في أبيات سابقة، وأراد من نكل عنها ولم يقتحم لظاها، وقوله "فأنا ابن قيس" نسب نفسه إلى جدّه الأعلى؛ فإنه سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة، والمراد من هذه العبارة أنا ذلك المعروف بالجراءة والنجدة والشهامة الذي طرق سمعك اسمه وعرفت عنه ما عرفت من صفات البطولة. والاستشهاد به في قوله "لا براح" حيث أعمل فيه "لا" عمل ليس؛ فرفع بها الاسم، وحذف خبرها، وتقدير الكلام: لا براح لي، وقد قال ابن هشام في شرح الشاهد -تبعًا لابن يعيش والمُبَرِّد- إنه يجوز أن تكون لا نافية مهملة، وبراح -على هذا- يكون مبتدأ، وقد حذف خبره، واعترض جماعة هذا الكلام بأن المعهود في لا النافية أن تعمل عمل إن أو عمل ليس، فإن لم تعمل أحد العملين وجب تكرارها كأن تقول: لا رجل عندك ولا امرأة فلما لم تتكرر علمنا أنها عاملة، ولما كان الاسم الذي بعدها مرفوعًا علمنا أنها عملت عمل ليس، وقد تمحل قوم فقالوا: يجوز أن تكون مهملة ولكنها لم تتكرر للضرورة وهذا كلام لا يجوز لك أن تأخذ به؛ لأن المصير إلى الضرورة أمر لا يجوز ارتكابه إلا حين لا يكون للكلام محمل صحيح يحمل عليه.
اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات الجزء : 1 صفحة : 303