اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات الجزء : 1 صفحة : 294
قالوا: ولا يلزم على كلامنا إذا كان الأوسط منه ساكنًا؛ فإنه لا يجوز ترخيمه وإن كان له نظير نحو يَدٍ وغَدٍ؛ لأنا نقول: إنما لم يجز عندنا ترخيم ما كان الأوسط منه ساكنًا نحو زيد وعمرو لأنه إذا حذف الحرف الأخير وجب حذف الحرف الساكن الذي قبله؛ فيبقى الاسم على حرف واحد، وذلك لا نظير له في كلامهم، بخلاف ما إذا كان أوسطه متحركًا على ما بيّنا.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: الدليل على أنه لا يجوز ترخيمه وذلك أنا أجمعنا على أن الترخيم في عرف النحويين إنما هو حذفٌ دخل في الاسم المنادى إذا كثرت حروفه، طلبًا للتخفيف، فإذا كان الترخيم إنما وضع في الأصل لهذا المعنى فهذا في محل الخلاف لا حاجة بنا إليه؛ لأن الاسم الثلاثي في غاية الخفة؛ فلا يحتمل الحذف، إذ لو قلنا إنه يخفف بحذف آخره لكان ذلك يؤدي إلى الإجحاف به؛ فدلَّ على ما قلناه.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم "إنما جوزنا ترخيمه لأن في الأسماء ما يماثله، نحو يَدٍ ودَمٍ" فنقول: الجواب عن هذا من وجهين:
أحدهما: أنَّا نقول: إن هذه الأسماء قليلة في الاستعمال، بعيدة عن القياس: فأما قلتها في الاستعمال فظاهر؛ لأنها كلمات يسيرة معدودة، وأما بعدها عن القياس فظاهر أيضًا، وذلك لأن القياس يقتضي أن لا يحذف؛ لأن حرف العلة إذا كان متحركًا فلا يخلو: إما أن يكون ما قبله ساكنًا أو متحركًا، فإن كان ساكنًا فينبغي أن لا يحذف كما لا يحذف من ظَبْيٍ ونِحْيٍ وغَزْوٍ ولَهْوٍ؛ لأن الحركات إنما تستثقل على حرف العلة إذا كان ما قبله متحركًا لا ساكنًا، وإن كان ما قبله متحركًا فينبغي أن يقلب ألفًا ولا يحذف، كقولهم: رحًى، وعمًى، وعصًا، وقفًا، ألا ترى أن الأصل فيها رَحَيٌ وعَمَيٌ وعَصَوٌ وقَفَوٌ؛ بدليل قولهم: رَحَيَان، وعَمَيَان، وعَصَوَان، وقَفَوَان، إلا أنه لما تحركت الياء والواو، وانفتح ما قبلهما؛ قلبوا كل واحدة منهما ألفًا استثقالًا للحركات على حرف العلة مع تحرك ما قبله، إلى غير ذلك مما لا يمكن إحصاؤه، وعلي هذا سائر الثلاثي المقصور، وإذا ثبت أن هذه الأسماء قليلة في الاستعمال بعيدة عن القياس فوجب أن لا يقاس عليها.
والوجه الثاني: وهو أن نقول: قياس محل الخلاف على يد ودم، ليس بصحيح، وذلك لأنهم إنما حذفوا الياء والواو لاستثقال الحركات عليهما؛ لأنها تستثقل على حرف العلة، أما في الترخيم فإنما وضع الحذف فيه على خلاف القياس؛ لتخفيف الاسم الذي كثرت حروفه، ولم يوجد ههنا؛ لأنه أقل الأصول، وهي في غاية الخفة، فلو جوزنا ترخيمه لأدَّى إلى أن
اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات الجزء : 1 صفحة : 294