اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات الجزء : 1 صفحة : 231
لك فلان يقتل أو يموت أو نحو ذلك "حاشاه" وهذا ليس باستثناء، وإنما هو بمنزلة قولك "بعيدًا منه" فكذلك ههنا.
وأما قولهم "يدخله الحذف والحذف لا يكون في الحرف" قلنا: الجواب عن هذا من وجهين.
أحدهما: أنا لا نسلم أنه قد دخله الحذف؛ فإن الأصل عند بعضهم 129 في حاشى حاش بغير ألف، وإنما زيدت فيه الألف. وهذا هو الجواب عن احتجاجهم بقراءة من قرأ: {حَاشَ للهِ} ثم نقول: إن هذه القراءة قد أنكرها أبو عمرو بن العلاء سيِّد القُرَّاء، وقال: العرب لا تقول "حاش لك" ولا "حاشك" وإنما تقول "حاشى لك، وحاشاك" وكان يقرؤها "حَاشَى للهِ" بالألف في الوصل، ويقف بغير ألف في الوقف متابعةً للمصحف؛ لأن الكتابة على الوقف لا على الوصل، وكذلك قال عيسى بن عمر الثقفي وكان من الموثوق بعلمهم في العربية: العرب كلها تقول "حاشى لله" بالألف، وهذه حجة لأبي عمرو.
والوجه الثاني: أنا نسلم أن الأصل فيه حاشى بالألف، وإنما حذفت لكثرة الاستعمال، وقولهم "إن الحرف لا يدخله الحذف" قلنا: لا نسلم، بل الحرف يدخله الحذف، ألا ترى أنهم قالوا في رُبَّ: رُبَ، بالتخفيف، وقد قرئ به، قال الله تعالى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر: 2] ثم قال الشاعر:
[169]
أَزُهَيْرُ إِنْ يَشِبِ القَذَالُ فإنَّه ... رُبَ هَيْضَلٍ لجِبٍ لَفَفْتُ بهَيْضَلِ
[169] هذا البيت من كلام أبي كبير الهذلي، واسمه عامر بن حلس، وقد استشهد بالبيت رضي الدين في شرح الكافية في باب حروف الجر، وشرحه البغدادي، في الخزانة "4/ 165" وأنشده موفق الدين بن يعيش "ص1093" وقوله "أزهير" الهمزة فيه للنداء، وزهير: اسم ابن الشاعر، بدليل قوله في قصيدة أخرى:
أزهير هل عن شيبة من مقصر ... أم لا سبيل إلى الشباب المدبر
فقد الشباب أبوك إلا ذكره ... فأعجب لذلك فعل دهر وامكر
والقذال بفتح القاف، بزنة السحاب ما بين نقرة القفا وأعلى الأذن، وهو آخر موضع من الرأس يشيب شعره، وربما أطلق القذال وأريد الرأس كله من باب إطلاق اسم الجزء وإرادة كله، والهيضل -بزنة جعفر- الجماعة من الناس، ولجب -بفتح اللام وكسر الجيم- معناه كثير الجلبة مرتفع الأصوات، ويروى في مكانه "مرس" -بفتح فكسر- ومعناه شديد، وقوله: "لففت" يروى بفاءين ومعناه جمعت، ويروى "لفقت" بفاء بعدها قاف، ومعناه جمعت أيضًا، يريد أنه جمع جيشًا يجيش للحرب والطعان والاستشهاد بالبيت في قوله "رب هيضل": حيث جاء برب مخففة بياء واحدة، وقد اختلف العلماء في الباء الباقية: أساكنة هي أم مفتوحة، فذكر قوم منهم ابن جني أنها ساكنة، وعليه يكون الشاعر قد حذف الباء الثانية =
اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات الجزء : 1 صفحة : 231