اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات الجزء : 1 صفحة : 220
وعلى ذلك أيضًا يحمل ما احتجوا به من قوله تعالى: {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} [النساء: من الآية148] ؛ فإن معناه لكن المظلوم يجهر بالسوء؛ لما يلحقه من الظلم، فيكون في ذلك أعذر ممن يبدأ بالظلم، وعلى ذلك أيضا يحمل قول الشاعر:
[158]
وكل أخ مفارقه أخوه ... لعمر أبيك إلا الفرقدان
أراد لكن الفرقدان فإنهما لا يفترقان، على زعمهم في بقاء هذه الأشياء المتأخرة إلى وقت الفناء، ويحتمل أن تكون "إلا" في معنى غير، ولذلك ارتفع ما بعدها، والمعنى: كل أخ غير الفرقدين مفارقه أخوه، كما قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] أي لو كان فيهما آلهة غير الله، ولهذا كان ما بعدها مرفوعًا، ولا يجوز أن يكون الرفع على البدل؛ لأن البدل في الإثبات غير جائز؛ لأن البدل يوجب إسقاط الأول، ولا يجوز أن تكون {آلِهَةٌ} في حكم الساقط؛ لأنك لو أسقطته لكان بمنزلة قولك: لو كان فيهما إلا الله، وذلك لا يجوز، ألا ترى أنك لا تقول "جاءني إلا زيد" لأن الغرض في "إلا" -إذا جاءت قبل تمام الكلام- أن تثبت بها ما نفيته، نحو "ما جاءني إلا زيد" وليس في قوله: {لَوْ كَانَ} نفي فيفتقر إلى إثبات، ولو جاز أن يقال "جاءني إلا زيد" على إسقاط إلا مثلا حتى كأنه قيل جاءني زيد و "إلا" مزيد لاستحال ذلك في الآية؛ لأنه كان يصير قولك "لو كان فيهما إلا الله" بمنزلة لو كان فيهما الله لفسدتا، وذلك مستحيل.
وأما قراءة من قرأ: "إلى الذين ظلموا منهم" بالتخفيف، فإن صحت وسلم
= جنسه، قال سيبويه بعد أن أنشد البيت "جعلها أنيسها" يريد جعل اليعافير والعيس أنيس هذه البلدة. وقال الأعلم "الشاهد فيه رفع اليعافير والعيس بدلا من الأنيس على الاتساع والمجاز" ا. هـ. وإبدال المستثنى من المستثنى منه إذا كان في أصله من غير جنسه هو لغة بني تميم، يجيزون فيه النصب على الاستثناء والبدلية، أما الحجازيون فلا يجيزون فيه غير النصب على الاستثناء، وعليه قول الأسود بن يعفر، وهو من شعر المفضليات:
مهامهًا وخروقًا لا أنيس بها ... إلا الضوابح والأصداء والبوما
ويحتمل ذلك قول الكلحبة اليربوعي:
أمرتكم أمري بمنعرج اللوى ... ولا أمر للمعصي إلا مضيعا
فإنه يجوز أن يكون قوله "إلا مضيعًا" استثناء مما قبله فيكون قد وضع الصفة مكان الموصوف، وأصل الكلام: ولا أمرللمعصي إلا أمرًا مضيعًا، ويجوز أن يكون "مضعيًا" حالًا من الضمير المستكن في الجار والمجرور قبله.
اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات الجزء : 1 صفحة : 220