اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات الجزء : 1 صفحة : 186
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما احتجاجهم بقوله تعالى: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [النساء: 24] فليس لهم فيه حجة؛ لأن {كِتَابَ اللهِ} ليس منصوبا بعليكم، وإنما هو منصوب لأنه مصدر، والعامل فيه فعل مقدر، والتقدير فيه: كتب كتابًا اللهُ عليكم، وإنما قُدِّرَ هذا الفعل ولم يظهر لدلالة ما تقدم عليه، كما قال الشاعر:
[144]
ما إن يَمَسُّ الأرضَ إلا مَنْكِبٌ ... منه، وحرف السَّاقِ، طَيَّ المِحْمَلِ
فقوله "طي المحمل" منصوب لأنه مصدر، والعامل فيه فعل مُقَدَّر، والتقدير فيه: طُوِيَ طي المحمل، وإنما قدر ولم يظهر لدليل ما تقدم عليه من قوله: "ما إن يمس الأرض إلا منكب منه"، فكذلك ههنا: قُدِّرَ هذا الفعل ولم يظهر لدلالة ما تقدم عليه من قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ} [النساء: من الآية23] فإن فيه دلالة على أن ذلك مكتوب عليهم؛ فلما قدر هذا الفعل ولم يظهر بقي التقدير فيه: كتابًا اللهُ عليكم، ثم أضيف المصدر إلى الفاعل كقوله: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِي تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ} [النمل: من الآية88] فَنَصَبَ
[144] هذا البيت لأبي كبير الهذلي، يقوله في تأبط شرا وكان أبو كبير زوج أمه يصفه بالضمور، والبيت من شواهد سيبويه "1/ 180" والأشموني "رقم 325" وأوضح المسالك "رقم 251" والبيت من قصيدة لأبي كبير ثابتة في شعر الهذليين "2/ 88" وقد اختار أبو تمام في أوائل ديوان الحماسة أبياتًا من هذه القصيدة يقع بيت الشاهد ثامنها، وانظر بعد ذلك خزانة الأدب للبغدادي "3/ 466 و 4/ 165" و "إن" في قوله "ما إن يمس" زائدة، ومعنى البيت: ما يمس الأرض منه -إذا نام- إلا جانبه وحرف ساقه، وذلك لأنه مطوي ضامر غير سمين وهضيم الكشح غير ثقيل؛ فهو لا ينبسط على الأرض ولا يضع أعضاءه كلها عليها، والاستشهاد بالبيت في قوله "طي المحمل" حيث نصبه بعامل محذوف يدل عليه سابق الكلام، والمؤلف رحمه الله يقدر هذا العامل فعلًا، وكأن الشاعر على هذا قد قال: قد طوي هذا الفتي طي المحمل، وهو تابع في هذا لشيخ النحاة سيبويه وشراح كلامه، قال سيبويه: "وقد يجوز أن تضمر فعلًا آخر كما أضمرت بعد قولك له صوت، يدلك عليه أنك لو أظهرت فعلًا لا يجوز أن يكون المصدر مفعولًا عليه صار بمنزلة له صوت، وذلك قوله:
ما إن يمس الأرض.... البيت
صار ما إن يمس الأرض بمنزلة له طي؛ لأنه إذا ذكر ذا عرف أنه طيان" ا. هـ. وقال الأعلم: "الشاهد فيه نصب طي المحمل بإضمار فعل دلّ عليه ما إن يمس الأرض إلا منكب منه وحرف الساق؛ لأن ذلك لانطواء كشحه وضمر بطنه، فكأنه قال: طوي طيًّا مثل طي المحمل؛ فشبهه في طي كشحه وإرهاف خلقه بحمالة السيف، وهو المحمل، وزعم أنه إذا اضطجع نائمًا نبا بطنه عن الأرض، ولم ينلها منه إلا منكبه وحرف ساقه" ا. هـ بحروفه.
اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات الجزء : 1 صفحة : 186