اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات الجزء : 1 صفحة : 181
أراد لعل. فلما وجدناهم يستعملونها عاريةً عن اللام في معنى إثباتها دلّنا ذلك على أنها زائدة، ألا ترى أنا حكمنا بأن اللام في "زيدل، وعبدل، وأولالك" وما أشبه ذلك زائدة لأنا نقول في معناه "زيد، وعبد، وأولاك" وحكمنا بأن الهمزة في "النِّئْدُلَان" وهو الكابوس زائدة لأنا نقول في معناه "النيدلان" من غير همز، وكذلك بأن النون في "عَرَنْتَنٍ" زائدة لأنا نقول في معناه "عَرْتن" بغير النون الأولى، إلى غير ذلك من الشواهد؛ فكذلك ههنا.
والذي يدل على أنها زائدة أن هذه الأحرف، نعني إنَّ وأخواتها إنما عملت النصب والرفع لشبه الفعل؛ لأن أنّ مثل مَدّ، وليت مثل ليس، ولكن أصلها كِنَّ ركبت معها لا كما ركبت لو مع لا فقيل: لكنّ، وكأن أصلها أنَّ أدخلت عليها كاف التشبيه، فكذلك لعل أصلها علّ وزيدت عليها اللام؛ إذ لو قلنا إن اللام أصلية في لعل لأدَّى ذلك إلى أن لا تكون لعلَّ على وزن من أوزان الأفعال الثلاثية أو الرباعية؛ لأن الثلاثية على ثلاثة أضرب: فَعَلَ كضَرَبَ، وفَعُلَ كمَكُثَ، وفَعِلَ كعَلِمَ، وأما الرباعية فليس لها إلا وزن واحد، وهو فَعْلَلَ نحو دَحْرَجَ وسَرْهَفَ، فكان يؤدّي إلى أن يبطل عملها فوجب أن يحكم بزيادتها؛ لتكون على وزن الفعل كسائر أخواتها، فصارت بمنزلة زيادة لا والكاف في لكنَّ عندكم، فإنه إذا جاز أن تحكموا بزيادة لا والكاف في لكن وهما حرفان وأحدهما ليس من حروف الزيادة فلأن يجوز أن يحكم ههنا بزيادة اللام وهي حرف من حروف الزيادة كان ذلك طريق الأولى.
والصحيح في هذه المسألة ما ذهب إليه الكوفيون.
وأما الجواب عن كلمات البصريين: أما قولهم "إنا وجدناهم يستعملونها كثيرًا في كلامهم بغير لام؛ بدليل ما أنشدوه من الأبيات" قلنا: إنما حذفت اللام من "لعل" كثيرًا في أشعارهم لكثرتها في استعمالهم، ولهذا 98 تلعبت العرب بهذه الكلمة، فقالوا: لعلَّ، ولَعَلْنَ، ولَعَنَّ -بالعين غير معجمة- قال الشاعر:
[140]
حتى يقول الجاهل المُنَطَّقُ ... لَعَنَّ هذا معه مُعَلَّقُ
[140] نقل البغدادي في الخزانة "4/ 368" تلخيص هذه المسألة عن كتاب الإنصاف، وقد ورد ذكر هذا البيت عنده محرفًا، والمنطق -بزنة المعظم- لابس المنطقة، والمنطقة والمنطق والنطاق: كل شيء شدّ الرجل به وسطه، والمعلق -بزنة المعظم أيضًا- لعله أراد به التعويذة، وفي الحديث "من تعلق شيئًا وكل إليه" ومعناه: من علَّق على نفسه شيئًا من التعاويذ والتمائم وأشباهها معتقدًا أنها تجلب إليه نفعًا أو تدفع عنه ضرًّا لم ينظر الله إليه. والاستشهاد بالبيت في قوله "لعن" فإن هذه لغة من لغات العرب في "لعل" أبدلوا لامها الأخيرة المشددة نونًا، لكثرة ما تلعبوا بهذه الكلمة.
اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات الجزء : 1 صفحة : 181