اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات الجزء : 1 صفحة : 155
فإن شئت جعلت قوله: "بغاة" خبرًا للثاني وأضمرت للأول خبرًا، ويكون التقدير: وإلا فاعلموا أنا بغاة وأنتم بغاة، وإن شئت جعلته خبرًا للأول وأضمرت للثاني خبرًا، على ما بيَّنَّا.
والوجه الثالث: أن يكون عطفًا على المضمر المرفوع في "هادوا" وهادوا بمعنى تابوا. وهذا الوجه عندي ضعيف؛ لأن العطف على المضمر المرفوع قبيح وإن كان لازمًا للكوفيين؛ لأن العطف على المضمر المرفوع عندهم ليس بقبيح، وسنذكر فساد ما ذهبوا إليه في موضعه، إن شاء الله تعالى.
وأما ما حكوه عن بعض العرب "أنك وزيد ذاهبان" فقد ذكر سيبويه أنه غلط من بعض العرب، وهذا لأن العربي يتكلم بالكلمة إذا استهواه ضرب من الغلط فيعدل عن قياس كلامه، كما قالوا "ما أغفله عنك شيئًا"، وكما قال زهير، ويقال صِرْمَةُ الأنصاري:
[115]
بدا لي أني لست مُدْرِكَ ما مَضَى ... ولا سابق شيئًا إذا كان جَائيَا
فقال "سابقٍ" على الجر؛ وكان الوجه "سابقًا" بالنّصب!.
وقال الآخر:
[116]
أَجِدَّكَ لست الدَّهْرَ رَائِي رَامَةٍ ... ولا عاقلٍ إلا وأنت جَنيبُ
[115] هذا البيت من كلام زهير بن أبي سلمى المزني، وهو ثابت في ديوانه بشرح الأعلم الشنتمري، وهو من شواهد سيبويه، أنشده في "1/ 83 و 418 و 452" ونسبه في هذه المرات إلى زهير، وأنشده في "1/ 154" ونسبه إلى صرمة الأنصاري، والبيت من شواهد مغني اللبيب لابن هشام "ص96 و 288 و 460 و 476 و 478 و 551 و 678 بتحقيقنا" وشواهد الأشموني "رقم 584" وأنشده في اللسان "ن م ش" ونسبه إلى زهير، وأنشده ابن جني في الخصائص "2/ 353 و 424" والاستشهاد بالبيت في قوله "ولا سابق" حيث جاء به مجرروًا مع كونه معطوفًا على مدرك المنصوب لكونه خبر ليس، وإنما جاء به مجرورا لأن الباء تدخل في خبر لليس كثيرًا، فلما قال الشاعر "أني لست مدرك ما مضى" توهم أنه أدخل الباء على خبر ليس لكونه مما يجري على لسانه كثيرًا؛ فجر المعطوف على هذا التوهم، قال سيبويه بعد أن أنشده "فجعلوا الكلام على شيء يقع هنا كثيرًا" ا. هـ. وقال الأعلم: "حمل قوله ولا سابق على معنى الباء في مدرك؛ لأن معناه لست بمدرك، فتوههم الباء وحمل عليها" ا. هـ.
[116] لم أعثر لهذين البيتين على نسبة إلى قائل معين، ورامة وعاقل ومنعج وشطيب: أسماء أماكن بأعينها، والاستشهاد بالبيتين في قوله "ولا مصعد" فإنه مجرور وهو معطوف على قوله "رائي رامة" المنصوب لكونه خبر ليس، وسهل ذلك أن خبر ليس يكثر دخول الباء الزائدة عليه فتجر لفظه، فكأن الشاعر بعد أن قال "لست رائي رامة" توههم أنه أدخل الباء فقال: لست برائي رامة، فجر المعطوف لهذا التوهم.
اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات الجزء : 1 صفحة : 155