اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات الجزء : 1 صفحة : 135
أن ما أشبهت ليس؛ فوجب أن تعمل عمل ليس، وعمل ليس الرفع والنصب ووجه الشبه بينها وبين ليس من وجهين؛ أحدهما: أنها تدخل على المبتدأ والخبر، كما أن ليس تدخل على المبتدأ والخبر، والثاني: أنها تنفي ما في الحال، كما أن ليس تنفي ما في الحال، ويُقَوِّي الشبه بينهما من هذين الوجهين دخول الباء في خبرها كما تدخل في خبر ليس؛ فإذا ثبت أنها قد اشبهت ليس من هذين الوجهين فوجب أن تجري مجراه؛ لأنهم يَجْرُون الشيء مِجْرَى الشيء إذا شابهه من وجهين، ألا ترى أن ما لا ينصرف لما أشبه الفعل من وجهين أُجْرِي مُجْرَاه في منع الجر والتنوين، فكذلك ههنا: لما أشبهت ما ليس من وجهين وجب أن تعمل عملها؛ فوجب أن ترفع الاسم وتنصب الخبر كليس على ما بيَّنَّا.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم "إن القياس يقتضي أن لا تعمل" قلنا: كان هذا هو القياس، إلا أنه وجد بينها وبين ليس مشابهة اقتضت أن تعمل عملها، وهي لغة القرآن، قال الله تعالى: {مَا هَذَا بَشَرًا} [يوسف: 31] وقال تعالى: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} [المجادلة: 2] .
قولهم "إن أهل الحجاز أعملوها لشبه ضعيف، فلم يَقْوَ أن تعمل في الخبر" قلنا: هذا الشبه قد أوجب لها أن تعمل عملها، وهي ترفع الاسم وتنصب الخبر، على أنا قد عملنا بمقتضى هذا الضعف؛ فإنه يبطل عملها إذا تقدم خبرها على اسمها، أو إذا دخل حرف الاستثناء، أو إذا فُصِلَ بينها وبين معمولها بأن الخفيفة، ولولا ذلك الضعف لوجب أن تعمل في جميع هذه المواضع.
وأما دعواهم أن الأصل "ما زيد بقائم" فلا نسلم، وإنما الأصل عدمها، وإنما أدخلت لوجهين؛ أحدهما: أنها أُدْخِلَت توكيدًا للنفي، والثاني: ليكون في خبر ما بإزاء اللام في خبر إنَّ؛ لأن ما تنفي ما تثبته إن، فجعلت الباء في خبرها نحو "ما زيد بقائم" لتكون بإزاء اللام في نحو "إنَّ زيدًا لقائم" كما جعلت السين جواب لن، ألا ترى أنك تقول "لن يفعل" فيكون الجواب "سيفعل" وكذلك جعلت قد جواب لما، ألا ترى أنك تقول "لما يفعل" فيكون الجواب "قد فعل" ولو حذفت لما فقلت "يفعل" لكان الجواب "فعل" من غير قد؛ فدل على أن قد جواب لمَّا، فكذلك ههنا.
وقولهم "إنه لما حذف حرف الخفض وجب أن يكون منصوبًا؛ لأن الصفات منتصبات الأنفس، فلما ذهبت أبقت خلفًا منها" قلنا: هذا فاسد؛ لأن الباء كانت في نفسها مكسورة غير مفتوحة، وليس فيها إعراب؛ لأن الإعراب لا يقع على حروف المعاني، ثم لو كان حذف حرف الخفض يوجب النصب كما زعموا لكان ذلك يجب في كل موضع يحذف فيه، ولا خلاف أن كثيرًا من الأسماء تدخلها.
اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات الجزء : 1 صفحة : 135