اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات الجزء : 1 صفحة : 128
فالكلام عليه من أربعة أوجه؛ فالوجه الأول: أنه يروى "ما تنفك آلا مناخة" والآل: الشخص؛ يقال "هذا آلٌ قد بدا" أي شخص؛ وبه سمي الآل؛ لأنه يرفع الشخوص أول النهار وآخره؛ قال الشاعر:
[95]
كأننا رَعْنُ قَفٍّ يرفع الآلَا
أي يرفعه الآل؛ وهو من المقلوب. والوجه الثاني: أنه يروى "ما تنفك إلا مناخَةٌ" بالرفع، فلا يكون فيه حجة. والوجه الثالث: أنه قد رُوِي بالنصب، ولكن ليس هو منصوبًا لأنه خبر "ما تنفك" وإنما خبرها "على الخسف" فكأنه قال: ما تنفك على الخسف، أي تُظْلَم إلا أن تناخ. والوجه الرابع: أنه جعل "ما تنفك"
[95] هذا عجز بيت من كلام النابغة الجعدي، وصدره قوله:
حتى لحقنا بهم تعدى فوارسنا
وتعدى فوارسنا: أي تحمل أفراسها على العدو، وهو السير السريع، والرعن -بفتح الراء وسكون العين- أنف الجبل، والقف -بضم القاف وتشديد الفاء- الجبل، غير أنه ليس بطويل في السماء، والآل: الذي تراه في أول النهار وآخره كأنه يرفع الشخوص، وليس هو السراب، ومحلّ الاستشهاد بالبيت قوله "الآل" ومعناه ما ذكرناه يريد المؤلف أن الذي في بيت ذي الرمة هو "الآل" كالذي في هذا البيت، وقد تقدم بيانه، وقد تبين لك من تفسيرنا للآل وجه قول المؤلف "وهو من المقلوب" يعني أن المعروف أن الآل هو الذي يرفع الشخوص، وقد جاء في هذا البيت أن رعن القف يرفع الآل، فرعن القف في ظاهر هذا البيت رافع، والآل مرفوع، والجاري على ألسنة العرب أن تجعل الآل رافعًا والشخوص التي منها رعن القف مرفوعة، قال ابن منظور بعد أن أنشد البيت "أراد يرفع الآل، فقلبه" وقد أنكر ابن سيده القلب في هذا البيت، وزعم أن كل واحد من رعن القف والآل يصلح أن يكون رافعًا ويصلح كذلك أن يكون مرفوعًا، قال: "وجه كون الفاعل فيه مرفوعًا والمفعول منصوبًا باسم صحيح مقول به، وذلك أن رعن هذا القف لما رفعه الآل فرؤي فيه ظهر به الآل إلى مرآة العين ظهورًا لولا هذا الرعن لم يبن للعين بيانه إذا كان فيه، ألا ترى أن الآل إذا برق للبصر رافعًا شخصه كان أبدى للناظر إليه منه لو لم يلاق شخصًا يزهاه فيزداد بالصورة التي حملها سفورًا، وفي مسرح الطرف تجليًّا وظهورًا؟ فإن قلت: فقد قال الأعشى:
إذ يرفع الآل رأس الكلب فارتفعا
فجعل الآل هو الفاعل والشخص هو المفعول، قيل: ليس في هذا أكثر من أن هذا جائز، وليس فيه دليل على أن غيره ليس بجائز، ألا ترى أنك إذا قلت: ما جاءني غير زيد، فإنما في هذا دليل على أن الذي هو غيره لم يأتك، فأما زيد نفسه فلم يعرض للأخبار بإثبات مجيءله أو نفيه عنه؛ فقد يجوز أن يكون قد جاء وأن يكون أيضًا لم يجيء" ا. هـ كلامه بحروفه.
اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات الجزء : 1 صفحة : 128